TOP

جريدة المدى > مسرح > المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد للدكتور أحمد شرجي

المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد للدكتور أحمد شرجي

نشر في: 26 مايو, 2015: 12:01 ص

يشكل المسرح العربي موضوع اشتغال الباحث أحمد شرجي في كتابه "المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد". فهو يحاول الإجابة عن التساؤل التالي: هل نمتلك مسرحا عربيا أم مسرحا مكتوبا باللغة العربية؟. وهو ما استوجب منه مناقشة نشأة المسرح العربي ومراحل تطوره،

يشكل المسرح العربي موضوع اشتغال الباحث أحمد شرجي في كتابه "المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد". فهو يحاول الإجابة عن التساؤل التالي: هل نمتلك مسرحا عربيا أم مسرحا مكتوبا باللغة العربية؟. وهو ما استوجب منه مناقشة نشأة المسرح العربي ومراحل تطوره، بدءا من التقليد حين تمت استعارته من السياق الثقافي الغربي، مرورا بالعملية التأصيلية عبر البيانات التنظيرية، إلى التصورات الإخراجية التي رامت البحث عن شكل مسرحي.

ففي الفصل الأول المعنون بـ: "إشكالية التأصيل والهوية في المسرح العربي"، يناقش الباحث هاجس بحث المسرحيين العرب عن هوية مسرحية عربية. فالمفارقة الصارخة هنا نتبين معالمها في عدم اهتمام الغرب بالهوية، فلم يجدوا غضاضة في الانفتاح على الموروث الفني العربي بخلاف المسرحيين العرب الذين اهتموا -اهتماما مبالغا فيه- بهوية عربية مسرحية. ومن ثم فإن شغلهم الشاغل هو الهوية الموهومة بدل تأسيس جماليات منفتحة.
وضمن هذا الإطار، استعرض الباحث آراء وتصورات (علي عقلة عرسان) الذي أرجع نشأة المسرح إلى المصريين، وإن لم يتبلور بشكل كامل المعالم إلا مع الإغريق، وفوزي رشيد من العراق الذي عد العراق مهد المسرح استنادا إلى وثائق تاريخية دعم بها موقفه. ولم يقف الباحث عند حدود استعراض الآراء والمواقف، بل عمد بحس نقدي إلى مناقشتها . يقول في هذا السياق: "ومع عرسان ورشيد، يتأكد الأرق العربي المستمر، حول الدهشة الأولى للمسرح، لكن هل هذا هو المهم؟ لأنه لو صحت طروحات الاثنين، فلماذا إذن لم تكن هناك تراجيديات حقيقية، كما هو الحال عند الإغريق" .
وارتباطا بالدين الإسلامي في سياق علاقته بالفن المسرحي، عرض الباحث لموقف زكي طليمات الذي قدم تفسيرا جغرافيا لعدم تعرف العرب على الفن المسرحي. ويتمثل في حياة الترحال التي ميزت الحياة العربية البدوية، في حين يستلزم المسرح الاستقرار بوصفه فنا مدنيا بامتياز. وهو يعارضه الباحث إذ يشتمل هذا الموقف على بنيات هشة تسمح بدحضه. فهو ينطبق على الحياة العربية قبل الإسلام ولا يشمل بعدها، فقد مثلت دمشق في عهد الأيوبيين وبغداد زمن العباسيين مركزيين ثقافيين.
فإذا كان الإسلام قد بشر بالوحدانية، فإن هذا التصور قد قوض ليس فقط تعدد الآلهة، بل أفضى أيضا إلى أفول الأساطير والطقوس المصاحبة لها، ومن ثم اندثار جوها الاحتفالي. فلم تبدل الجهود لاحتواء تلك الطقوس وتطويعها، حتى تتوافق مع السياق الثقافي الديني الجديد. ومادام الجسد هو من يجسد تلك الطقوس، فإن مع اندثارها أضحى وجوده باهتا وخافتا، ومحاطا بهالة دينية عدته عورة وجب إخفاؤها. كما اضطلعت الثقافة الدينية التي تستند إلى الرواية، والسرد، والحفظ بدور تغليب كفة المسموع على حساب المرئي. وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في عدم تطور المسرح عند العرب ، يقول الباحث: "تحرر الجسد هو أحد عناصر تطور المسرح في العالم، كون الممثل لا يمكن أن يبقى حبيس لسانه، وعقله فقط على الخشبة، لأن العقل يصدر أوامره للجسد للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر، التي يطلقها اللسان كذبذبات صوتية" . ومع غياب الصراع عن الدين الإسلامي، غابت معه ميزة المسرح وهي الصراع، مادام الدين الإسلامي رام تأسيس عالم إيماني منسجم بين الذات والآخر والعالم. كما أن تحطيم الأوثان منع إمكانية نمو تقاليد فنية في الثقافة العربية.
وإذا كان السياق الفني العربي قد زخر بتقاليد فنية خصبة، فإن الطائفية المقيتة ساهمت بدورها في عدم الالتفاف إلى طقس فرجوي مثقل بالتمسرح ويشتمل على بذور فنية وإرهاصات درامية ويتعلق الأمر بالتعازي الشيعية. فهي عند الفاطميين ذكرى حزينة وندم على مقتل الحسين بكربلاء، في حين تتخذ عند الأيوبيين طابع المرح والاحتفال ضدا على الشيعة. ومن هنا يستشف الباحث أن الطائفية حرمت التعازي الشيعية "من التطور الطبيعي لتأخذ مكانها كتراجيديا مهمة، قد تكون موازية لما آلت إليه التراجيديا اليونانية من تطور على مستوى الشخوص والصراع" . ونظرا لعدم خضوع الأشكال الفرجوية العربية سواء قبل الإسلام أم بعده لناموس التطور وقانون الارتقاء لتصل حد المسرح بمفهومه الحديث، فإن تاريخ تعرف العرب على المسرح يتحدد انطلاقا من 1848م مع مارون النقاش في لبنان، ثم القباني في سوريا، وصنوع في مصر...
في الفصل الثاني ناقش الباحث أهم التجارب المسرحية العربية التي جاهدت بهدف البحث عن خصوصية مسرحية. فهل نحا هذا البحث منحى الوفاق والتقارب مع المسرح الغربي؟ أم انه اتجه صوب القطيعة والانقسام وهو ما يتنافى مع طبيعة الفن المسرحي نفسه؟. في هذا الاتجاه، اعتبر الباحث أن توفيق الحكيم في مسرحه الذهني رام استنطاق الأشكال الفنية المصرية بهدف مسرحتها فنيا وتصنيعها جماليا، فكان قالبه المسرحي المؤلف من الحكواتي والمقلداتي والمداح. وهنا لاحظ الباحث أنه رغم روح التمرد التي تسكن دواخل توفيق الحكيم إلا انه لم يستطع التحرر والانفلات من واقع ثقافي أكبر منه ممثلا في المسرح الغربي الذي تعددت تجاربه وتنوعت اتجاهاته. فما اجترحه توفيق الحكيم لا يعدو أن يكون تقليدا تاما لنظرية المسرح الملحمي لبرتولد بريشت. كما أن تنظيراته يعوزها العمل المختبري، والممارسة الركحية، والاشتغال الدائم مع الممثل. يقول الباحث: "انطلق مشروع الحكيم من الورق، والورق لا يصنع مسرحا حقيقيا أو شكلا مسرحيا، لأنه من السهل جدا الحديث عن شكل مسرح مغاير من دون تجربة عملية، لأن التنظيرات شيء ، وما يقدم على الخشبة شيء آخر." .
ومن مصر دائما، استلهم يوسف ادريس "السامر"، لتجاوز المسرح الغربي ومركزيته بحثا عن مسرح مصري أضحى مع مسرحية الفرافير ذا طابع عربي غير غارق في المحلية الضيقة. ولعل ما شكل هاجس يوسف ادريس هو إيجاد شكل مسرحي ، بيد أن تنظيراته ظلت شأنها شأن رؤى توفيق الحكيم وتصوراته بعيدة عن منطق الاشتغال الميداني، فهي"لم تمتلك مقومات بقائها، كونها لم تنطلق من داخل مختبر مسرحي" .
في العراق، ناقش الباحث الكتابة المسرحية عند يوسف العاني الذي اعتمد على الحكاية والأغاني الشعبية العراقية، دون إحداث قطيعة مع المنجز المسرحي الغربي ممثلا في المسرح التسجيلي لرائده (بيسكاتور) من جهة، والمسرح الملحمي لبرتولد بريشت من جهة ثانية، وخاصة في مسرحيته "المفتاح" التي يتضح فيها التأثير البريشتي واضحا على مستوى بناء الحكاية، وتوظيف السرد، وكسر الجدار الرابع..... ويعزو الباحث هذا الحضور اللافت لبريشت إلى سببين: الأول يتجسد في تناغم الجمالية البريشتية مع جماليات التراث، والثاني يتجلى في الظرف السياسي بالعالم العربي المتسم بألقه الفكري وتوهجه الإيديولوجي وهيمنة مفاهيم الالتزام السياسي والنضال الثوري، وكأن بريشت يحضر بوصفه مفكرا ماركسيا أكثر من كونه فنانا مسرحي. وبخلاف توفيق الحكيم ويوسف ادريس، فإن العاني -من وجهة نظر الباحث- ينطلق في تجربته المسرحية من خبرة فنية راكمها من اشتغاله بالتمثيل، مما أهله لأن يكتب مستحضرا اكراهات الركح وشروطه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram