الجميع شعر بالغضب على وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر، لانه قال ان الجيش العراقي لم تكن لديه ارادة قتال. والحقيقة انه كلام يثير الغضب. وقد سبق لاوباما قبل يومين ان ردد الكلام نفسه حين قال: كيف سنساعد العراقيين اذا كانوا غير راغبين في القتال، طبقا لما رأينا في الرمادي؟ ولعل هذه صيغة تثير غضبا اكبر، وتنسى تضحيات رهيبة قدمتها قواتنا ومتطوعونا على مدى عام كامل من المواجهات، و١٢ عاما من الحرب على الارهاب. لكن ماذا لو ان كارتر خصوصا كان يقصد معنى اخر. ماذا لو كان يقصد ان الجيش العراقي تسلم اوامر او تعرض لضغوط بشأن عدم القتال؟ انها شائعات يجري تداولها في الشارع، ولا مانع من ان اوباما ووزيره قد صدقا هذه الشائعات.
وفي اطار الحديث عن الاميركان، تذكرت العربة غرندايزر مرة اخرى. فالضباط الاميركان دربوا ٧ الاف جندي عراقي على ارتداء الخوذ، طوال ٩ شهور مضت، وذلك صحيفة ميليتري تايمز. لكن الخبر جعلني انتبه الى موضوع مقالي السابق حول العربة المفخخة المدرعة الضخمة التي يصنعها داعش ويدمر بها خنادقنا. ونحن لا نحصل الا بصعوبة على صواريخ خاصة لتدمير الغرندايزر هذا وهو بلدوزر مغلف بفولاذ سميك ومملوء بالديناميت. ورحت اسأل: لم نحصل كجيش نظامي على الصواريخ الخاصة لتدمير هذا المهاجم الفتاك، ولكن لماذا لم نتصرف كمجموعة مقاومة غير نظامية ونقوم بصناعة غرندايزر نقتحم به تحصينات داعش؟ ولماذا لم يدربنا الاميركان على ذلك، بدل التدريب على لبس الخوذ التي لا تحمي من جونغر ولا ساسوكي.
وقد شعرت بالعجز عن التعليق على هذا، لكنني قرأت في شريط اخباري لمحطة تلفزيون ان احد نازحي معبر بزيبز ظل يحمل جثة طفله لساعات ويرفض دفنها احتجاجا على الوضع الكارثي الذي مرت به عائلته. وحين ألح عليه الناس بضرورة اتمام المراسم الخاصة بالدفن، قام المسكين الغاضب العاجز، برمي جثة الرضيع في نهر الفرات، معلنا سخريته من تفاصيل كثيرة مؤلمة. ولا اتمنى بالطبع ان يكون هذا الرجل جالسا الان امام الشاشة ليكفر وهو يستمع الى كلام السيد ابراهيم الجعفري الذي اعرب اثناء كتابة المقال، عن اعتقاده بان وزاراتنا في الوقت الحالي صارت تمتلك "ثقافة جديدة، تجعل الوزير يبحث عن المسؤول الاكفأ". لكن شعورا بالعار الانساني يجتاحني وانا اتخيل ان هذا الاب رمى بفكرة الوطن بأسرها، في نهر الفرات. ففي تلك اللحظة يصبح الوطن كذبة لا يدري المرء كيف صدقها. وبعد كل هذه الظروف فان ٣ ملايين نازح من غرب العراق ونينوى، صاروا لا يصدقون باشياء كثيرة، وكلما مر عليهم صقيع وثلج، او ريح صيف عراقية وهم في الخيام، فانهم يبحثون عن نهر الفرات كي يرموا فيه المزيد من القناعات القديمة. ان ٣ ملايين عراقي يضاف اليهم ملايين اخرى تعيش مع داعش في مكان واحد محير، باتوا مستودعا للشكوك، بمفاهيم الوطن والقدر والمستقبل. وحتى نحن الذين كنا محظوظين ولم نتعرض للتهجير، ولم نقذف اطفالنا في الفرات، نتعرض لارتباك تاريخي عنيف، اذ تتبدل القناعات والتحليلات والتنبؤات بالدقائق واللحظات، وشيئا فشيئا يصبح كل شيء ممكنا مهما بدا صعب التحقق قبل برهة.
اما اصعب التساؤلات المحيرة فهي تلك التي تتملكنا ونحن نتحسس العتاب العميق لنا جميعا، في عيون الجندي المقاتل الممثل لهيبة الدولة، والذي قام داعش باعدامه بطريقة جبانة في الرمادي. وسأظل الى الابد، اتذكر نظرة عتابه هذه، للوطن وللفرات وللشعب والطوائف والشجعان والجبناء والمجانين، سواء كان الجندي المغدور راغبا بالقتال كما يعتقد العبادي، او غير راغب بذلك كما يرى اشتون كارتر
معاتبة الخوذ ودفن الاطفال في الماء
[post-views]
نشر في: 25 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
متابع
الاستاذ سرمد : تعقيبا على ماذكرت تذكرت عبارة قالها لي مهجر من ابناء الانبار هذا اليوم هناك الكثير من الكلمات اكتشفت انهاليست سوى اكذوبة مثل الوطنية وحب الوطن ... احسست بمرارة لان الكثير من القناعات وربما المعتقدات اهتزت ،وها انت تكتب عن ذلك اليوم .لك من