هيّج عمود زميلتنا عدوية الهلالي، الذي كتبته اول أمس، بداخلي شجونا كنت حسبتها قد دفنت. لم استغرب من وقفتها عند بائع الغاز الذي كتب "عمريش؟" على عربته، لا لأنها كاتبة فطنة، حسب، انما لأنها عراقية اولا. وللعراقية مع حسبة العمر وقفات اغلبها مرّ. في العمارة كانت رقابة "النواطير" قد جعلتها تكره عمرها وتوده ان يقصر الى حيث الموت:
إبعيني اشـوف اهواي وشتمـر عنّــــــــــــه
عمر العليــــــه ناطــــــــور يِـِكصَـر عسنّه
وعراقية أخرى تحسب العمر لا بالسنين بل بالهموم:
عــد وآنــه عــد ونشــــــوف ياهـو اكثر اهموم؟
مـن عمـري سبـع سنيــــــن وكليبــــــي مالـــــــــوم
ثم تأتي الصرخة على لسان فراتية ترى في غربة العمر موت وتلف:
يـــا كلبي هـذا المــوت هــــذا الـيـتـلفــــــــك
التـكضي العمــر ويّاه مـا چـن يعــرفـك
بربكم هذا عمريش؟
وهل كان حظ العراقي أكثر وسامة من العراقية؟ لا يا عمّ. فعريان السيد خلف أختصر الوصف:
وطالت .. والعمر كلما تلف بيه طول
غم ذاك العمر من ينكضي اتعلعل
هذا العمر الذي قال عنه أهلنا اننا ابتلينا به، لخصه بائع الغاز العراقي والتقطته زميلتنا عندما سأل: "عمريش؟"، وابتلت هي الأخرى على عمرها بكيف تجيبه.
هذه الـ "عمريش؟" واحدة من "حسجة" العراقيين الملتهبة التي تختصر العذاب. وان كان بائع الغاز قد خطها مكشوفة فإنها مكتوبة بلون آخر على ضلوع الغابشين للمساطر. وبطعم آخر على قلوب الثكالى واليتامى والارامل. ولو فتشتم عنها جيدا ستجدونها في دفاتر البنات والشباب وحتى على عيونهم. انها هناك في الشوارع وعلى الأبواب والجدران والشبابيك. وفي دموع أطفالنا الباحثين عن لقمة خبز في مكبات القمامة. وعلى وجوه بائعي الكلينكس تحت حرّ الشمس وشفرات البرد، في انتظار رحمة ازدحام تمن عليهم بمن يشتري منهم علبة يعودون بها لأمهاتهم الخائفات عليهم من الموت.
انها في كل مكان وزاوية الا في الخضراء، حيث الجيوب المترعة. والوجوه المحمرة من أثر شفط اللحم الدسم والمغمس بعطر الدولارات الطويلة. ونعومة العيش الدافئ شتاء. والمنعش حد الغفوة الهانئة صيفا.اما عند أولاد الخايبات وبناتهن، فانها مكتوبة على الوسائد التي ان ودعتهم في الصباح فلا تعلم ان كانوا سيعودون لها في الليل لتمتص دموعهم أم لا. عمريش؟
جميع التعليقات 2
ali
عمريش
وليد خالد
ذكرني مقالك بالبيت التالي عمر الي انكظه بالصنات ببوب التجانيد...