بغداد/ BBC تصدح في ارجاء كنيسة مريم العذراء ببغداد اصوات ترانيم دينية باللغة الارامية القديمة، وتتسرب من تحت اقواس الابواب الخشبية المزخرفة الى الباحة الخارجية الصغيرة، لتختلط مع اصوات الترتيل القادمة عبر مكبرات الصوت من الجامع المقابل.
مقابل الكنيسة وقفت امرأتان مسلمتان تتشحان بالسواد في انتظار دورهما في اشعال الشموع نذرا للسيدة مريم العذراء. ففي العراق ظل المسلمون والمسيحيون يقيمون صلواتهم جنبا الى جنب لقرون، ولكن نصف اتباع كنيسة مريم العذراء قد فروا من العراق في السنوات الاخيرة. يقول نائب بطريارك الكلدان المطران شليمون وردوني: «لقد غادروا اما الى شمال العراق او الى بلدان اخرى بسبب الاوضاع الامنية، عمليات الاختطاف والسيارات المفخخة، ليس ثمة امان او سلام». خارج بوابة الكنيسة وقفت مجموعة من الشرطة لحراسة المكان، بيد ان سيارة مفخخة كانت قد انفجرت امام الكنيسة تماما مطلع هذا العام. وتقول وزارة الدفاع: ان الجيش وضع في حالة تأهب قصوى خلال اعياد الميلاد، وتوضح انها استلمت معلومات استخبارية انه قد يتم استهداف المسيحيين. اذ قتل الاربعاء الماضي شخصان في انفجار قنبلة امام كنيسة في مدينة الموصل في واحدة من سلسلة هجمات استهدفت المسيحيين هناك في الاشهر الاخيرة. وتشير بعض التقديرات ان حوالي نصف المسيحيين في العراق قد غادروا منازلهم منذ الحرب في عام 2003. ليلى بولص احد هؤلاء الذين قرروا مغادرة البلاد، فهذا هو عيد الميلاد الاخير الذي تقضيه في بغداد. فابنها قد اختطف من قبل عصابة ولم يطلق سراحه الا بعد ان دفعت العائلة فدية مالية. وبالنسبة لليلى كانت تلك الحادثة القشة الاخيرة التي دفعتها لاتخاذ قرارها، اذ ستغادر عائلتها خلال اسابيع قليلة الى السويد. تقول ليلى:»بالطبع، من المحزن مغادرة العراق، فهو بلد اجدادنا، ولكن ليس في يدنا شيء لنفعلة. معظم المسيحيين الذين يعيشون في الجوار قد غادروا». مع ذلك ثمة اشارات الى ان الامور تتحسن، فبغداد اصبحت اكثر امانا الان عنها خلال العامين الماضيين. وترى زينة اعياد الميلاد تباع وسط العاصمة بغداد الامر الذي لم يكن ممكنا خلال فترة تصاعد العنف الماضية. وليس المسيحيون فقط هم من يشتري هذه الزينة، اذ عرضت علي امرأتان مسلمتان وهما تضحكان محتويات حقيبتي تسوقهما الممتلئتين وفيهما دمى حمر براقة لبابا نويل وزينة شجرة اعياد الميلاد. وقالتا:»اعياد الميلاد للجميع، نحن نحتفل بالكريسماس والسنة الجديدة كما هو الحال مع المسيحيين تماما». واشارتا الى انهما تتمنيان ان يعود المسيحيون الذين غادروا العراق. وتضيفان:»هذه بلادهم. انها ليست للمسلمين فقط، انها للمسيحيين والمسلمين. العراق كان بلدا لكل العراقيين ونأمل انه سيبقى كذلك». قد يتطلب هذا الامل وقتا ليتجسد، بيد ان بعض المسيحيين قد عادوا الى بيوتهم في بغداد. وعلى الرغم من ان انتصار شوكت جرجيس قد حققت حلم العديد من المسيحيين العراقيين ببيت وحديقة في حي امن في امريكا الا انها تقول بانها وجدت الحياة صعبة جدا في امريكا، وقد عادت هذا الشهر الى بغداد مع ابنتها. وقالت: «نشعر بحنين الى العراق. نفتقد الناس وطيبتهم، نفتقد التربة والاشجار، وافتقد جيراني». وتأمل انتصار بأن تتحسن الامور، في الحي المضطرب الذي كانت تعيش فيه. وتقول:»معظم جيراني من المسلمين. عندما عدت اخذوني بالاحضان، وقالوا انهم افتقدوني». وليس المسيحيون فقط هم من واجهوا مخاطر الاختطاف والسيارات المفخخة في العراق منذ عام 2003 .وعلى الرغم من التحسن الامني فأن العراقيين من كل الاديان مازالوا يشعرون بالخوف من متى واين سيحدث الانفجار القادم؟ ويقول المطران وردوني :»حالنا من حال العراقيين، ونحن نصلي الان من اجل ان تتحسن الاحوال». ان مستقبل المسيحيين مرتبط بمستقبل بقية العراق، بيد انه مستقبل مازال ملتبسا.
مسيحيو العراق.. احتفال بالميلاد وسط مستقبل غامض
نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 07:18 م