على قاعة المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان)، أقام النحات علي كاظم الجبوري، معرضه الشخصي الأول، للنحت على مادة خشب الصاج والجاوي والمواد المتممة الأخرى، الذي ضم (21) عملاً نحتياً، احتوت على تجربتين منفصلتين.. تناول في عشرة أعمال منها، جداريات كبيرة

على قاعة المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان)، أقام النحات علي كاظم الجبوري، معرضه الشخصي الأول، للنحت على مادة خشب الصاج والجاوي والمواد المتممة الأخرى، الذي ضم (21) عملاً نحتياً، احتوت على تجربتين منفصلتين.. تناول في عشرة أعمال منها، جداريات كبيرة الحجم، قياس أبعادها يتجاوز المتر، الشناشيل والبيوتات البغدادية المتميزة بتفاصيل جمالية طرازها وهندستها المعمارية، برؤية وزوايا فنية جديدة، حيث الشبابيك الملونة الزاهية، والأبواب الخشبية ذات المقابض الحديدية، ذات الأشكال المتنوعة والنقوش النباتية والهندسية المناسبة.. فضلاً عن تقديمه (11) عملاً نحتياً أخرى، تختلف كلياً في حجمها الصغير، حيث استلهم فيها موضوعات تعبيرية إنسانية عامة، مستوحاة من الألم والمأساة التي نعيشها يومياً.
ولابد من الاعتراف، بان فن النحت يتميز عادة بصعوبة الصياغة العملية في إخراج الشكل النهائي للعمل الفني، كونها تعتمد على خامات صلبة، كالحجر والمرمر، وصلادة الخشب نفسه.. إلخ، إذ أن أية غفلة أو خطأ عفوي، من قبل النحات أثناء العمل اليدوي، تكون قطعة النحت قد تلفت نهائياً، حتى لو كان العمل في مراحله الأخيرة، ولسوف تفقد بريقها ومضمونها الفني والفكري.هذا من الجانب العملي، أما الخصوصية الفكرية، فهي المبدأ المهم للنحات في رسالته الفنية والإبداعية الإستلهامية، فالقطعة النحتية مهما بلغت ذروتها في الابتداع والجمالية، تظل عاجزة وقاصرة، دون أن تحمل في طياتها وجوهرها روحية فكرة، أو هدفا معينا.. بل تكون كالجمادات الطبيعية في هذا المكان أو ذاك.. وجهد فنان مبعثر.
فالنحات لابد له من ثقافة فنية وعلمية شاملة، فضلاً عن اطلاعه المستمر في فيزيائية الخامات التي يتعامل معها.. مثلما لديه الممارسة المتواصلة والبحث الدائب، والفراسة الحادة في كيفية إنجاز أعمال نحتية خالدة، مهما كان العمل كبيراَ ، كالنصب والجداريات العملاقة، أو لايتعدى قياسه بضعة سنتيمترات.
ولعل نحاتنا المهندس المبدع علي الجبوري، قد استوعب جلياً هذا المفهوم الفني والفكري معاً طوال مسيرته الفنية، وهو يستلهم ويجسد صوراً واقعية من فلكلور البيئة البغدادية الأصيلة والحفاظ على السمات الأساسية والبارزة للشواخص والطراز المعماري المحلي في البيوتات ذات الشناشيل الملونة، والأبواب والشبابيك الخشبية المتفردة، والأزقة القديمة المتراصة مع بعضها، ومنائر وقباب المساجد والجوامع، وهي تتلألأ بالألوان الإسلامية البراقة، مرصعة بآيات مباركة من القرآن الكريم.
لقد وظف النحات علي الجبوري، موهبته المتمرسة في النقش على خشب الصاج والجاوي، من خلال منظوره الهندسي في الرسم، مستفيداً من دراسته الأكاديمية الهندسية في هذا الجانب العلمي والعملي، لتأكيد هويته الفنية وترسيخ أسلوبه الشخصي، وجعله متوازناً مع اعتزازه وتخصصه بموضوع (الفلكلور) البغدادي، كونه لم يأت من فراغ.. ولكن عشقه الأزلي وذكرياته المترسخة في مكان مدينته البغدادية، بجغرافيتها وتأريخها المديد، وبناسها وبتقاليدها الاجتماعية المتماسكة، وبالحرفيات الشعبية المتوارثة.. كلها كانت صوراً عالقة في ذهنه وضميره، يحاول أن يوثقها ويحفظها لأجيال قادمة على جداريات خشبية شاخصة، محفورة ومجسمة بنباهة وعناية فائقة، يجسدها كما لو يرسمها الرسام على قماشة لوحاته، وفق قواعد الرسم في البعد الثالث، والضوء، والظل والضوء، والنسب الهندسية، فضلاً عن التشخيصات المكملة الأخرى.
لكنه.. في التجربة الأخرى، الموضوع يختلف تماماً، كما لو كان نحاتاً آخر قد نفذها، ألا وهي منحوتات صغيرة الحجم، تعبيرية الاستلهام والمزية، لايتجاوز قياس ارتفاعها عن (30سم) ومختزلة نهائياً من أية تفصيلات وتشخيصات، أعمال مجردة، ولكنها مخزنة ومليئة بالأوجاع والمأساة الإنسانية اليومية التي يحملها العراقي خصوصاً.