كثير من المتابعين على فيسبوك وتويتر يعتقدون لوهلة انني من المذهب السني، بينما تنحدر عائلتي من طرف ديني اخر، وهذا امر ينطبق على كثير من المعلقين والكتاب في بلادنا اليوم، اذ ان اي دعوة تؤيد ابرام صلح بين قادة الشيعة واسرة النجيفي مثلا، يجري تفسيرها بان الكاتب سني طائفي، عند بعض العراقيين.
كم هو مؤلم ان افشل في اقناع جزء من الجمهور بانني ادعو للصلح السياسي، لا لانني سني، بل لان اهلي الذين هم ليسوا سنة، يحتاجون وئاما وطنيا كي يعيشوا بسلام، وان هذا الانقسام الدموي سيسمح لداعش بقتلنا جميعا وباحراق بغداد التي نحبها مرتين في الاسبوع، وستسمح لدول الجوار بالسخرية منا كشعب بلا سياسة وازنة، وان هذه تجربة مرت بها بلدان كثيرة قبلنا، وان حقن الدماء هدف مقدس؟
وامثالنا تلاحقه اتهامات الطائفية، الصادرة من ابناء طائفته، في مشهد يثير السخرية، وحين يدرك اصحاب الاتهام باننا من طائفتهم، يقولون: امممم، اذن انتم بعثيون صداميون. وحين يفهمون لاحقا اننا معارضون لصدام، بشكل يعرفه منذ وقت طويل بحق المعرفة، رجال السلطة الحاليين، يقولون: امممم، اذن انتم منحرفون! وبحمد الله فقد اصبحت هذه الاتهامات طقسا عاديا، حتى ان الحمقى تجرأوا على المرجعيات الدينية الداعية للصلح والحوار، واتهموها ب"الانبطاح"، لكن ليس هذا هو المهم في الامر. بل المؤلم ان طرفا سياسيا وشعبيا مؤثرا، يسخر من ممكنات السياسة، ويذهب الى خيارات تكرر اخطاء صدام حسين القديمة التي احرقت البلاد.
لقد امضيت مثل غيري، شهورا طويلة اتشارك قناعة واضحة مع صانعي سياسات شيعة، بان تصحيح اخطاء المالكي هو خيار لابديل عنه للنصر على داعش. لكن القناعات هذه تتعرض للتيبس والتأجيل، ولا احد يمتلك تفسيرا معقولا لما يجري من تصعيد سياسي، ستستغله داعش احسن استغلال، وخاصة ما حصل في الحكومة المحلية في ديالى ونينوى.
ولكن هل نحن المجانين الوحيدون في هذه المنطقة؟ ام ان السياسة تتأجل برمتها، وجميعنا مجبرون على الانخراط في حفل خبل جماعي؟
في لحظات التشاؤم هذا الاسبوع، شعرت ان مفهوم القراءة والتحليل يجب ان يتغير من الان فصاعدا حين يتناول مسارات الشرق الاوسط. لا توجد اليوم افعال سياسية يمكن ان نقوم بتحليلها. ومن الان فصاعدا هناك سباق جنون بين جميع الاطراف.
المطلوب من النشاط التحليلي الذي يحاول ان يقرأ سياستنا ويفهمها، ان يتحول الى بحث سيكولوجي لفهم انواع الجنون، واصناف المجانين، وسيكولوجيا المجانين، ومستويات الاضطراب العقلي والنفسي للحاكم والمحكوم، والضحية والجلاد، وداعش وخصوم داعش. بهذه الطريقة فحسب سنتمكن من تخمين كمية "الحماقة" التي ستحصل هذا الاسبوع، ونوع المأساة التي ستحل في الاسبوع التالي.
من الان فصاعدا سنتأكد ان المنطق يتلاشى في معظم الاحيان، اذ لا تشتغل مسطرة المصالح ولذلك سنعجز عن قياس اي خيارات متعقلة كنا نتحدث عنها طوال سنوات. ان كل الاهداف المطروحة لا تستحق مثلا ان يحترق الشرق الاوسط. لكن الشرق الاوسط هذا يحترق، وكل طرف يقول للاخر: سأريك ما يمكنني فعله، وكل طرف يحاول ان يكتشف "موهبة" الاخر في الايغال بالحماقة! لا احد سيمكنه تفسير ارادة احراق المنطقة باي هدف عقلاني. انه حفل جنون وحسب.
واذا كان هناك سباق بين تعقل وجنون طوال عقود، فانني اخشى ان يشعر العقل بالسأم ويلعب دور فاقدي العقل ليجرب هذه الطريقة الحمقاء المتوحشة، في "النجاة".
انه التنافس بين المجانين والمهووسين والمضطربين نفسيا، حتى ان الخبراء يعتقدون ان داعش هي مجرد تنافس بين "مرضى" تنظيم القاعدة على زعامة الارهاب العالمي، اذ سيصبح الاكثر قسوة وجنونا هو "الخليفة"! وهذا سباق سيتكرر خارج تنظيم القاعدة، بين حركات واحزاب ودول، لان "الجنون فنون".
الجنون فنون.. وموت السياسة
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
هناك سببان اللدان اشعلا الفتنه--------1- صدام خطط للمقاومه المسلحه ضد الامريكان وكانت للمتمردين بيوتا مخصصه لهم وفيها السلاح والمال-واكثريه المقاومين كانوا من البعثيين-2-مند سنه 1920 والى 2003 كان يحكمنا العرب السنه--ان الثرى لايحب أحدا ياخد أمواله ومث