اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الجنون فنون.. وموت السياسة

الجنون فنون.. وموت السياسة

نشر في: 30 مايو, 2015: 09:01 م

كثير من المتابعين على فيسبوك وتويتر يعتقدون لوهلة انني من المذهب السني، بينما تنحدر عائلتي من طرف ديني اخر، وهذا امر ينطبق على كثير من المعلقين والكتاب في بلادنا اليوم، اذ ان اي دعوة تؤيد ابرام صلح بين قادة الشيعة واسرة النجيفي مثلا، يجري تفسيرها بان الكاتب سني طائفي، عند بعض العراقيين.
كم هو مؤلم ان افشل في اقناع جزء من الجمهور بانني ادعو للصلح السياسي، لا لانني سني، بل لان اهلي الذين هم ليسوا سنة، يحتاجون وئاما وطنيا كي يعيشوا بسلام، وان هذا الانقسام الدموي سيسمح لداعش بقتلنا جميعا وباحراق بغداد التي نحبها مرتين في الاسبوع، وستسمح لدول الجوار بالسخرية منا كشعب بلا سياسة وازنة، وان هذه تجربة مرت بها بلدان كثيرة قبلنا، وان حقن الدماء هدف مقدس؟
وامثالنا تلاحقه اتهامات الطائفية، الصادرة من ابناء طائفته، في مشهد يثير السخرية، وحين يدرك اصحاب الاتهام باننا من طائفتهم، يقولون: امممم، اذن انتم بعثيون صداميون. وحين يفهمون لاحقا اننا معارضون لصدام، بشكل يعرفه منذ وقت طويل بحق المعرفة، رجال السلطة الحاليين، يقولون: امممم، اذن انتم منحرفون! وبحمد الله فقد اصبحت هذه الاتهامات طقسا عاديا، حتى ان الحمقى تجرأوا على المرجعيات الدينية الداعية للصلح والحوار، واتهموها ب"الانبطاح"، لكن ليس هذا هو المهم في الامر. بل المؤلم ان طرفا سياسيا وشعبيا مؤثرا، يسخر من ممكنات السياسة، ويذهب الى خيارات تكرر اخطاء صدام حسين القديمة التي احرقت البلاد.
لقد امضيت مثل غيري، شهورا طويلة اتشارك قناعة واضحة مع صانعي سياسات شيعة، بان تصحيح اخطاء المالكي هو خيار لابديل عنه للنصر على داعش. لكن القناعات هذه تتعرض للتيبس والتأجيل، ولا احد يمتلك تفسيرا معقولا لما يجري من تصعيد سياسي، ستستغله داعش احسن استغلال، وخاصة ما حصل في الحكومة المحلية في ديالى ونينوى.
ولكن هل نحن المجانين الوحيدون في هذه المنطقة؟ ام ان السياسة تتأجل برمتها، وجميعنا مجبرون على الانخراط في حفل خبل جماعي؟
في لحظات التشاؤم هذا الاسبوع، شعرت ان مفهوم القراءة والتحليل يجب ان يتغير من الان فصاعدا حين يتناول مسارات الشرق الاوسط. لا توجد اليوم افعال سياسية يمكن ان نقوم بتحليلها. ومن الان فصاعدا هناك سباق جنون بين جميع الاطراف.
المطلوب من النشاط التحليلي الذي يحاول ان يقرأ سياستنا ويفهمها، ان يتحول الى بحث سيكولوجي لفهم انواع الجنون، واصناف المجانين، وسيكولوجيا المجانين، ومستويات الاضطراب العقلي والنفسي للحاكم والمحكوم، والضحية والجلاد، وداعش وخصوم داعش. بهذه الطريقة فحسب سنتمكن من تخمين كمية "الحماقة" التي ستحصل هذا الاسبوع، ونوع المأساة التي ستحل في الاسبوع التالي.
من الان فصاعدا سنتأكد ان المنطق يتلاشى في معظم الاحيان، اذ لا تشتغل مسطرة المصالح ولذلك سنعجز عن قياس اي خيارات متعقلة كنا نتحدث عنها طوال سنوات. ان كل الاهداف المطروحة لا تستحق مثلا ان يحترق الشرق الاوسط. لكن الشرق الاوسط هذا يحترق، وكل طرف يقول للاخر: سأريك ما يمكنني فعله، وكل طرف يحاول ان يكتشف "موهبة" الاخر في الايغال بالحماقة! لا احد سيمكنه تفسير ارادة احراق المنطقة باي هدف عقلاني. انه حفل جنون وحسب.
واذا كان هناك سباق بين تعقل وجنون طوال عقود، فانني اخشى ان يشعر العقل بالسأم ويلعب دور فاقدي العقل ليجرب هذه الطريقة الحمقاء المتوحشة، في "النجاة".
انه التنافس بين المجانين والمهووسين والمضطربين نفسيا، حتى ان الخبراء يعتقدون ان داعش هي مجرد تنافس بين "مرضى" تنظيم القاعدة على زعامة الارهاب العالمي، اذ سيصبح الاكثر قسوة وجنونا هو "الخليفة"! وهذا سباق سيتكرر خارج تنظيم القاعدة، بين حركات واحزاب ودول، لان "الجنون فنون".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د عادل على

    هناك سببان اللدان اشعلا الفتنه--------1- صدام خطط للمقاومه المسلحه ضد الامريكان وكانت للمتمردين بيوتا مخصصه لهم وفيها السلاح والمال-واكثريه المقاومين كانوا من البعثيين-2-مند سنه 1920 والى 2003 كان يحكمنا العرب السنه--ان الثرى لايحب أحدا ياخد أمواله ومث

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram