في زيارتي الأخيرة للندن خطر ببالي ان أمارس عادة قديمة اعتدها وهي ان ابحوش في الكتب العتيقة التي تعرضها دكاكين الجمعيات الخيرية مثل "اوكسفام". تغريني الكتيبات العتيقة والصغيرة الحجم. التقطت كتيبا مطبوعا في العام 1956 لروبرت دوانز، ربما قرأه بعضكم او اكثركم. انه "كتب غيّرت العالم". استعراض موفق ودقيق وشيق أيضا لستة عشر كتابا. كنت قرأت بعضا منها وبعض لم أفعل.
اكتشفت ان مذاق الكتاب أيام الصبا يختلف عند العودة اليه في الكبر. كما الكأس الأولى التي كنت تحسها لذيذة في اول أيامك قد تجدها في ما بعد مرة في منفاك او شيخوختك. والعكس قد يصح. فما كان مرا في شبابك قد يصبح أحلى لو كبرت.
في المرة الأولى التي قرأت بها كتاب "الحس العام" Common Sense امتلأت بالأمل والانتعاش. كان ذلك في بداية أيام منفاي أوائل الثمانينات. انه في الحقيقة كتيب صغير وليس كتابا. لكنه رشيق مقنع بلغته وافكاره. عندما اعدت قراءة مختصره هذه المرة لفّني اليأس والاكتئاب وانتبهت الى خيبات كثيرة يبدو اني أغفلتها سابقا. باختصار، صار حالي كحال ذلك العراقي الريفي الذي كتب له "العرضحالجي" مصيبته. قرأها عليه فصار الفلاح يبكي مرددا: أكلّ هذا مرّ عليّ وانا لا أدري؟
ثيمة الكتاب ثورة مثقف على السكوت العام. صاح لا بد من استقلال امريكا وانفصالها عن التاج الملكي البريطاني. صيحته في وقتها كانت كمن مزق كتابا مقدسا في محفل ديني. لم يأت بنظريات او حسابات بل ناشد الناس ان تستخدم حسها العام، أي الآدمي او الإنساني. لم يأبه بمن حاربوه او شتموه او حتى الذين سجنوه. جاهر بالحل الذي لا بد منه ولا يوجد غيره ثم حققه.
وها هو العراق امامي ينزف ويتقطع وغده في كل يوم أسوأ من أمسه. وفي داخلي صيحة أجد فيها حلا. لا ادعي اني امتلكه وحدي فكثيرون يعرفونه. المشكلة انهم يهمسونه همسا. ليش؟
أخاف احجي وعليّه الناس يكلون ..
لهذا حزنت وربما سأظل كذلك حتى يأخذ الرب أمانته.
كتاب وحزن عراقي
[post-views]
نشر في: 31 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ياسين عبد الحافظ
لا احلى من صرخة القلب والعقل، للتاريخ وللاحفاد هي ذكرى، الاديان تتغير ،الحظارات تزول، والسنة فى التغيير، كان العالم فى العصر الحجرى ثم المعدنى ووو ثم العولمة، ،لا تخافوا انخرطوا مع العامة في مشاعرهم وامالهم، اعطى رايك، اصرخ، سترتاح، فى شبابجى صرخت مرة صرخ