TOP

جريدة المدى > عام > القصة القصيرة فن الاستجابة

القصة القصيرة فن الاستجابة

نشر في: 1 يونيو, 2015: 12:01 ص

تبرز الحاجة لكتابة القصة القصيرة وتشتد كلما عاش القاص سلسلة من التجارب والأزمات على المستوى الشخصي .. ناهيك عما يحيط به من معضلات تمر بالمحيط الخارجي الذي لا يمكن للقاص التخلي عن التفاعل معه .. واستجابتها تستند اساسا الى مقدرتها على تطويع خصائصها الأ

تبرز الحاجة لكتابة القصة القصيرة وتشتد كلما عاش القاص سلسلة من التجارب والأزمات على المستوى الشخصي .. ناهيك عما يحيط به من معضلات تمر بالمحيط الخارجي الذي لا يمكن للقاص التخلي عن التفاعل معه .. واستجابتها تستند اساسا الى مقدرتها على تطويع خصائصها الأسلوبية للحالة التي تبرز كقضية من قضايا المجتمع او ازمة تخص المؤلف , فهي لا تتطلب الكثير من الوقت والانتظار , ربما ما تحتاجه على صعيد تنفيذها هو الطاقة التعبيرية لمؤلفها زائدا إعطاء المخيلة الفسحة الكافية لتزكية موضوعة النص , ولا يمكن الاستهانة بامكانات القصة القصيرة الا عندما تميل كفة الرواية او المسرحية , ويبتعد كاتب القصة القصيرة عن قصته الى ممارسة فن الرواية وكتابتها او اللجوء الى المسرح وكتابة المسرحية او السيناريو السينمي , والغريب ان العديد من المبدعين من غير القاصين لجأ في ظروف كثيرة الى كتابة القصة وبعضهم اتجه الى معالجة الرواية معتمدا على بساطة السرد كفن من فنون الحكي , ولا ندخل هنا في جودة ما كتب المبدعون الاخرون من قصص وروايات إذ أرى ان ذلك خروجا عن سياق مقالتي هذه التي اردت من خلالها تمجيد مقام النص القصصي باعتباره احد الفنون التي قدمتنا كما قدمت العديد من كتابه الى العالم دون ان ننكر اهميتها واصطفافها الى جانب الفنون الاخرى المكتوبة تحديدا ..
ويجد كاتب هذه السطور انه غالبا ما يلجأ الى كتابة القصة القصيرة حين تلم به حالة من حالات الشعور بالعزلة او الاحساس بالضيق والحرمان , واكثر من هذا عندما يشعر ان حرية التعبير في المجال الابداعي والسياسي والاجتماعي تعاني انحسارا صريحا . عندها يلجأ الى كتابة القصة عن عمد ودراية بما ستؤول اليه نتيجة النص , حيث يجد كاتب القصة طواعية ملموسة من لغتها على تنفيذ اللحظات الصغيرة والدقيقة من حياة بطلها كما تستجيب الى تلك الحالات المستترة والمختفية وراء لجة من التصورات او ما يمكن تسميته بالمحرمات او اقانيم التابو الاجتماعي والسلطوي .. القصة ــــ لا الرواية ــــ تعتبر منافسا حقيقيا للقصيدة الحديثة وتحديدا قصيدة النثر او النص المفتوح , ولعل افضل تعريف يفيها حقها هو قول سوزان لوهافر (( القصة القصيرة هي قصة قصيرة )) , وليس هنا المجال متاحا لعقد مقارنة بين القصة والرواية , رغم انهما ينتسبان الى فن الروي او الحكي او السرد اجمالا , ولكن القول انها جزء من الحياة او شريحة من الواقع, وان الرواية تهتم بالحياة كاملة او الواقع كله بصيغة او اخرى, ماهي الا تعريفات دللت على سذاجة قاهرة , لأن القصة لا تستجيب الا للحظة الاستثنائية وليست اي لحظة , لذا تمتثل القصة القصيرة للمبدعين الذين لا يترددون في اقتناص تلك اللحظة وهي ليست عابرة في حياتنا بل لحظة راسخة قد تمر بنا لكي نتوقف عند تخومها المترعة بالخيال والحكمة والفن ايضا . ان معظم هذه التعريفات انما تقلل من اهمية القصة ومن شأنها على اعتبارها فن الاستجابة الكيفي والطوعي لمتطلبات القص , والخشية عليها من استيلاء الشعر على سردها بحيث نراها مجرد حلية او قطعة سردية تنتسب الى الشعر اكثر من ابوة السرد لها , مع ان احدى الكاتبات الاميركيات ــــ هي نادين كورديمر ـــــ تعتبر القصة القصيرة شكلاً فنياً ومتخصصاً واقرب الى الشعر , لكنها لم تقل الشعر فقط انما جعلتها اقرب الى الشعر لذا نظل في خشية من اختراق الشعر لها . لذا : يعتبر تدخل الشعر في شؤونها او تغلغله بين سطورها مسألة ذات حدين, الاول يصرّ بعض المؤلفين على الاستفادة من الطاقة الشعرية الكامنة في الكلمات واستخراج تلك الطاقه وحده مدعاة للاعجاب, ذلك ان العبارة في النص ستكون ذات شحنة ملموسة من حيث التعبير الوافي , بينما يرى البعض الآخر من مؤلفي القصص ان استثمار الطاقة الشعرية وربما مالديهم من امكانات شعرية كامنة امر ضروري جدا لانتشال القصة القصيرة من رداءة الواقع اليومي وتعاسة مشاكله , لذا نجد ان هذا النوع من القصص كأنه عودة الى رومانسية النص , واعتقد ان هذا النوع من القصص قد جربه الكثير من الشعراء ،خصوصا العراقيين، ولعل من ابرز من استثمر المعرفه بشؤون القصيدة الشعرية واستفاد منها في كتابة نص قصصي هو الشاعر سعدي يوسف , الا ان معظم القصص تلك لم تحسب على جنس القصة القصيرة قط , ولم اجد من اعطاها مكانة في دراسة القصة القصيرة في العراق كظاهرة ابداعية وادبية يمكن لها ان تمنحني صورة كافية عن طبيعة مرحلتها , او عن ما جرى فيها من احداث وملمات ولو بصورة عابرة او اللجوء الى التلميح خلال السرد كما تفعل قصص القاصين المحترفين والمتمكنين من صنعتهم بدربة ودراية مشهود لهم بها , والغريب في الامر ان الصفة حتى لو جاءت صفة ثانية لا نجد من يصف شاعرا مثل سعدي يوسف قاصا رغم مقالة المرحوم عبد الجبار عباس المعروفة عن قصص سعدي يوسف . الا ان سعدي ظل شاعرا دون التفكير من قبل النقد القصصي ان يضمه الى رعيل كتاب القصة وهذا الذي نقوله بشأنه ينطبق على حسب الشيخ جعفر اكثر الشعراء العراقيين تماهيا مع الروائيين وكتابة الرواية بل فاق الشاعر سعدي يوسف ويوسف الصايغ باهتماميهما الروائي ذاك ... , كما أن تحميلها ( اعني القصة القصيرة ) أعباءً اكبر من طاقتها يعتبر خيانة لها وجورا عليها خصوصا عندما يضطر القاص للاستجابة لمتطلباته الشخصية او رغباته ونزواته او ما تقترحه المرحلة التي تفرض عليه حالة من حالاتها ذات الطبيعة القسرية فيلجأ كاتب القصة الى دبلجة النصوص او تحميلها موضوعات اكبر من طاقتها واحسب ان موضوعات ذات طبيعة لا تنسجم وامكانات القصة القصيرة باعتبارها فناً لا يمتلك المسحة الكافية للخوض بالتفاصيل , كخلق اهداف مباشرة لها او تطويعها من اجل ايديولوجيا معينة او تحقيق رغبة ذاتية تلبية لطلب او مقترح , وتعريف (لوهافر) يمنحها الأحقية بتأمل التعريف من اجل إعطائها حقها المرصود لها او يمنحنا فرصة التفكير الجاد بضرورتها بل بما تمتاز به دون سواها للاستجابة الفورية او الطوعية لمتطلبات كاتبها او مرحلتها يبقى امتيازها مرصودا لها , مهما تطلبت الحاجة العصرية لفن الرواية او اي فن آخر موازٍ لها , انها فن له من الخصوصية ما يجعله مستقلا في ذاته عن غيره من الفنون السردية الاخرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram