اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > أحمد شرجي والاستعارة والتقليد في المسرح العربي

أحمد شرجي والاستعارة والتقليد في المسرح العربي

نشر في: 2 يونيو, 2015: 12:01 ص

2-2
 
 وفي الفصل الثالث المعنون بـ: "التصورات الإخراجية في العرض المسرحي"، وقف الباحث وقفة متأنية وفاحصة عند رؤى الطيب الصديقي بالمغرب، وروجيه عساف بلبنان، وصلاح القصب بالعراق. فقد اعتبر الصديقي عراب المسرح الشعبي بالعالم العربي، وتميز بو

2-2

 

 وفي الفصل الثالث المعنون بـ: "التصورات الإخراجية في العرض المسرحي"، وقف الباحث وقفة متأنية وفاحصة عند رؤى الطيب الصديقي بالمغرب، وروجيه عساف بلبنان، وصلاح القصب بالعراق. فقد اعتبر الصديقي عراب المسرح الشعبي بالعالم العربي، وتميز بوفرة مشاريعه المسرحية بدءا بالمسرح العمالي الذي استدعى فيه الذاكرة المسرحية الفرنسية مجسدة في مسرحيات موليير. ولم يكن الاستلهام هنا "مجرد اقتباس أو نقل تجربة عالمية وإلباسها ثوبا عربيا أو مغربيا .... بل كان الاقتباس واعيا، وذا قصدية اشتغالية" . ومن هنا يحدد الباحث قيمة التصور الإخراجي لدى الصديقي في قدرته على نقل النص المسرحي الغربي من سياقه الأصلي إلى سياق جديد وحاضن، مع ما استلزمه النقل من تغييرات جوهرية مست العناصر المسرحية من شخصيات وديكور..... وبعد أن شعر الصديقي بغربة ما يقدمه عن الوجدان العربي انتقل إلى الذاكرة التراثية العربية مؤكدا عشقه الصوفي للتراث الذي أدمن على قراءته إلى أن دمعت عيناه. وفيه أبان عن قدرة فائقة على تطويع المصادر التراثية لخدمة العرض المسرحي.

 

 
في لبنان، انتقى الباحث تجربة الحكواتي لروجيه عساف. فما يميز هذه التجربة هو اشتغال عساف على النص، والفضاء، والممثل بعيدا عن التنظير والثرثرة، إذ اشتغل مع ممثليه في إطار "مختبر مسرحي" استنادا إلى الارتجال الجماعي. فتنظيراته كانت نتاج عمل دؤوب ومراس طويل مع الممثلين بحثا عن شكل مسرحي مغاير ووازن. بيد أنه رغم أهمية هذه التجربة، فإن الباحث –بحس نقدي- اعتبرها مسايرة واضحة لمسرح الشمس لـ "اريان منوشكسين". وفي هذا الإطار حدد التشابه بين التجربتين في: 
- تأسيس فرقة مسرحية مستقلة 
- الاستفادة من مادة العمل المسرحي: مسرحية 1789 لمنوشكين مقابل مسرحية 1963 لعساف.
- أسلوب الاشتغال الجماعي القائم على الارتجال.
وفي العراق، قارب الباحث تجربة مسرح الصورة عند صلاح القصب. ويعتبر هذه التجربة نتاج التحول الذي عرفته التجربة الإخراجية بانتقالها من الواقعية إلى الرمزية التي تستند إلى الرمز والإيحاء وتعلي من شأن الجانب البصري. فقد تمرد صلاح القصب على الذاكرة الانفعالية التي أرسى دعائمها ستانسلافسكي بتأثير واضح من أستاذته الرومانية "ساندا مانو"، وراح يبشر بفردوس جمالي بصري يثمن دور المتلقي في الفعل المسرحي ويتجاوز السائد والمتداول والمتوارث.
ونظرا لثورية تصور صلاح القصب، فقد كان من البديهي أن يجابه بردود أفعل قوية ورافضة استكانت إلى القديم. ما حدا بالقصب إلى تدبيج بيانات مسرحية تعرف بتجربته. يقول الباحث واصفا تجربة القصب: " كانت تجربة القصب، تجربة فريدة في الثورة الشكلية الجديدة لتأسيس شكل مسرحي آخر، شكل مسرحي يبنى أساسا على الصورة المسرحية، هذا الشكل لا يحدده النص الأدبي، بل يشكله القصب نفسه" . ومن هنا يتضح بأن مسرح القصب يعتمد على حوار العين والركح ويتكئ على المرئي لا الأدبي. فالخطاب هنا بصري يؤشر على تجربة ذات نفس تجريبي لافت تتوسل بفلسفة الصورة.
وبعد أن ميز الباحث بين نموذجين للتلقي، أحدهما قراءة أفقية تعتمد على انتظار النهاية لتحقيق التحرر والتطهير، وأخرى عرضية من سماتها التساؤل حول عناصر الدلالة، وصيغ تشكيلها، وماهيتها، ومصادرها أدرج تجربة صلاح القصب ضمن النمط الثاني لكونها تورط المتلقي في وسط صور بصرية تستلزم فك شفراتها. ومن ثم فهو عمل سيميولوجي بامتياز عمل على تقويض مركزية النص وهدم قدسيته، كما تحول الممثل إلى أداة ضمن التشكيل الصوري الجمالي. ويعزو الباحث تميز القصب إلى قدرته على صهر ثقافتين في بوثقة واحدة ترفض الانشطار، فتجربته تناسج خلاق بين الانجازات المسرحية الغربية والعربية العراقية. فقد أدرك القصب أن المسرح فن والفن لا يعيش إلا في إطار الحوار الفني والتلاقح الثقافي وأي تصور انطوائي سيحكم عليه بالانتحار والموت البطيء.
وختم الباحث كتابه النقدي بدراستين هامتين، احداهما لتدوين يوميات البروفة عند جواد الاسدي، وأخرى لسعيد الناجي من خلال كتابه "البهلوان الأخير: أي مسرح لعالم اليوم". فعلى غرار العديد من المخرجين العالميين من أمثال ستانسلافسكي، وبيتر بروك، وزيجموند هنبر دون الاسدي يوميات البروفة. يقول الباحث في هذا السياق مؤكدا على أهمية هذه الخطوة التي انتهجها الاسدي: "سار مشروعه التنظيري بجانب مشروعه الإخراجي، من دون كسل أو ملل، ظل وفيا لانتماءاته المسرحية، بل الذوبان الكلي فيها. وهذا ديدن المخرجين الكبار، لا يتنفس بعيدا عن الخشبة، ولا بفكر إلا بها ومن خلالها، كأي عاشق متيم بحبيبته" . فقد كشف الاسدي من خلال هذا التدوين عن همومه، ومرجعيته الفكرية، ومواقفه السياسية وما استلزمه فعل اختيار النص والممثلين....من جهة، وسلوك الشخصيات، وملابسها، وأزيائها، وانسجامها مع السينوغرافيا وفضاء العرض من جهة ثانية. إن يوميات الاسدي تظهر التفاصيل التي يتوق المهتم بالمسرح لسماعها من مصادرها. ولم يغفل الباحث هنا الإشارة إلى أن يوميات الاسدي لم تتقيد بالتسلسل الزمني. 
ثم تتبع الباحث مجاور كتاب"البهلوان الأخير: اي مسرح لعالم اليوم". كاشفا أبرز مضامينه ورؤاه. وحددها في:
- انتهاء زمن النظريات المسرحية حتى في السياق الثقافي الغربي الذي افرزها، مقابل تشبت المسرحيين العرب بحبال تنظير لم يعد قائما.
- تعدد مصادر الفرجة بسبب التطور التكنولوجي الهائل، في حين حافظ المسرح على طابعه البدائي. بيد أن ذلك لا يبعث على الخوف من اندثار المسرح بحكم تواصل وظيفته الاجتماعية.
- تحديد مهمة الممثل المسرحي في ظل التحولات الثقافية والفنية والاجتماعية التي أرغمته على الارتحال من حرارة الركح إلى صقيع الشاشة.
- تحديد دور المسرح الجامعي في النهوض بالواقع المسرحي عبر المهرجانات والمحترفات التكوينية.
- المقارنة بين تصورات بريشت وأرسطو بهدف إزالة البس القائم بين مواقفهما. مع التشديد على عنصر الخفة في المسرح الملحمي. 
وفي الأخير خلص الباحث إلى نتائج هامة. فهو يعتبر أنه لا مجال للحديث عن هوية الفن المسرحي. فلم يكترث المسرحيون الغربيون بهاجس الخصوصية المرضية، لذلك جاء مسرحهم مسرحا متوهجا، لا يهتم بالهوية الضيقة التي تحكم على الإبداع بالاختناق والموت. فقد انفتح المسرحيون الغربيون على الفرجة الشرقية وبلورا مسرحا يعتد بالحوار الفني والتلاقح الثقافي بعيدا عن منطق الثنائيات الموهومة والتقسيمات التراتبية.
وبالمقابل يرى الباحث أن معظم المسرحيين العرب راموا تأسيس مسرح يعيق التواصل الحضاري الاستفادة المتبادلة. فالخصوصية عندهم لا تعني تميز المسرح عن باقي أشكال التبادل الثقافي، بقدر ما تشير إلى تميز المسرح العربي عن المسرح الغربي، ما يعني وضع الحدود والحواجز بين الثقافات. وهو ما يتنافى مع قيم الفن المسرحي نفسه. فلا يكفي أن نستدعي شخصية تراثية حتى نكسب العمل المسرحي بعدا عربيا. ثم ان اقتباس الانجاز الفني الغربي غير كفيل بصنع خصوصية عربية. فما يزال المسرح العربي يكرر ما تبقى في ذاكرته من يونسكو واربال، وما تجسد في خياله من بريشت. فأغلب التجارب المسرحية العربية انطلقت من المشاريع المسرحية الغربية وعملت على تبنيها بوصفها مشروعا شخصيا. وهو ما يكسب السؤال التالي شرعيته: هل ما يقدم على الساحة المسرحية العربية هو مسرح عربي أم مسرح مكتوب باللغة العربية؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram