(جزء أول)
تشتهر بين المسلمين عبارة الخليفة الثالث عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" التي قالها في حادثة ابن لعمرو بن العاص ضرب نصرانياً مصرياً انتصف له عمر فأمرالمصري أن يضرب عمرو (الأب) ثأراً وانتقاماً... إلى آخر القصة.
بعض الفقهاء عدّ الرواية ضعيفة وسندها ركيكاً وتخريجهم لضعفها يعود إلى دفعهم الانتقاص من شخصية إسلامية شهيرة وهو في عداد أولي الأمر الذين تتوجب طاعتهم ومن أكثر من ابن العاص ولياً لأمور المسلمين، بل هي (الرواية) صورة من صور عدم المساس بـ"المقدس" (وإن كان رمزياً أو معنوياً) حتى لو جاء هذا المساس انتصافاً لحرية الإنسان وعلى لسان أحد أكبر الصحابة والخلفاء المؤسسين للدين الإسلامي وبناة أصوله وثقافته وتقاليده ونصوصه.
هذه القصة، وما دار حولها من جدل، يمكن أن تكون منطلقاً لأشكلة (جعله إشكالاً) "المقدس" في الدين، أي دين من الديانات الثلاثة الأرأس في حياة البشرية، التي تشترك ثلاثتها في "كثلكة" الديانة ومنع ظهور أي صوت نقدي أو "فكرة انشقاقية" في ثقافتنا الدينية.
ذكر مفكر إسلامي اضطر أن يوقع كتابه باسم مستعار هو "عبدالحق الحر" أن ابن عباس الذي عاصر النبي وأخذ منه الكثير من الحديث، يعتبر حجة خالدة حتى اليوم قال: "توفي النبي وأنا ابن ثمانٍ ولم أختن"!
يتساءل "عبدالحق الحر": "كيف لأمة تأخذ الحديث النبوي من صبي له ثماني سنوات ولم يختن؟
يلفت محمد أركون في سطور عابرة، لكنها مهمة، بشأن المجتمعات التي لا كتابة لها فاكتفت بما وصفه بـ "الحس العملي" أو الغريزة العملية المباشرة والعفوية "أي لكل ما يؤسس وينظم مكانة كل عضو من أعضاء الجماعة، وكذلك مكانة التضامنات العفوية أو الآلية التي تربط بين جميع أعضاء الجماعة داخل المجتمع. إن الحس العملي المحدد على هذا النحو لا يتيح انبثاق الشخص الحر أو الفرد المستقل عن الجماعة. إنه لا يسمح بانبثاق الشخص النقدي أو حتى المنشق عن الجماعة أو الأمة ذات الطابع الديني". (*)
سؤال: ماذا عن ملايين المسلمين في العالم الذين لا يجيدون العربية نطقاً وقراءة وكتابة؟
- كل "مقدس" في حياة وأديان وثقافة البشر وتقاليدهم صناعة بشرية.
سؤال: لماذا لا يسمح للبشر، إذن، بتفكيك "المقدس" ونقده وإعادة قراءته؟
- لم تتحدد ظاهرة "تبجيل المقدس" عند ما هو إلهي أو ديني، وفي حدود حرية الإيمان والمعتقد التي كفلتها أغلبية دساتير العالم (فعلاً أو قولاً) بل امتدت الظاهرة لتبجيل أشخاص عاديين بينهم قتلة ولصوص وفاسدون.
القفزات الكبرى للحداثة، حتى في جانبها الشره والاستعلائي، تمت إثر، وخلال، المراجعات الفكرية والعلمية الشاقة لهذه الحداثة، جنباً إلى جنب مع فحوصات وتفكيكات الديانتين اليهودية والمسيحية في أوروبا وعموم الغرب، منذ القرن السادس عشر، بينما اكتفى العرب والمسلمون باستهلاك الحداثة، مصطلحاً ومنتوجاً، مع شتمها بأقذع الألفاظ.
.. ولأن الظاهرة معقدة "انبثاق الشخص الحر" فهي تحتاج إلى أكثر من عمود.. إلى اللقاء، إذن، في عمود مقبل.
___________________
(*) محمد أركون، حقوق الإنسان في الفكر العربي – دراسات في النصوص – مركز دراسات الوحدة العربية 2002.
Clifford James Geertz (August 23, 1926 – October 30, 2006) was an American anthropologist who is remembered mostly for his strong support for and influence on the practice of symbolic anthropology, and who was considered "for three decades...the single most influential cultural anthropologist in the United States."[1] He served until his death as professor emeritus at the Institute for Advanced Study, Princeton.
انبثاق الشخص الحر
[post-views]
نشر في: 1 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عواد ناصر
الخليفة الثاني وليس الثالث. أعتذر عن هذا السهو الطباعي.