الكتاب:كتابات في الفن (1867-1905)تأليف: جوري كارل هايزمان ترجمة: إيمان قاسم ذيبانبريشة الكاتب التي سطرت الإعجاب الشديد بفنانين والهجاء لآخرين وبنفاد البصيرة التي عبرت بصدق عن روح اللوحات الفنية، ظهر هذا الكتاب
نستطيع إدراج هايزمان ضمن قائمة النقاد العظام للفن وهو بالأساس كاتب يمارس مهنته على خطى بودلير وزولا،الكاتبين اللذين خلدهما في مقالاته. إلى جانب الأدب،أحب هايزمان الفن والأعمال الفنية القديمة منها و الحديثة حبا جما. وكان اختياره لهذه الأعمال أو تلك بحرية تامة أي من دون التأثر بصيتها الذي أملاه المؤرخون أو المناصرون للموضة.هكذا أصبح وبكل ثقة المكتشف الأول للفنان البارع غرينولد والمعجب المتحمس للوحات الفنان ديغاس اذ كان هذان الفنانان بحق مرآة لعصريهما لكثرة ما عبرا في لوحاتهما عن التقاليد الراسخة والمعتقدات المتباينة والعواطف الصادقة بواسطة أشكال فنية متفردة تماما مثلما كانت الحقبة التي عاشا فيها.وطوال حياته،لم يعتقد هايزمان بوجود مجموعة من القوانين الأبدية ولا بوجود فنان مثالي مهما كان عمله. وفيما يتعلق بالدراسة التجريدية لغوغان،أوضح هذا الفنان إن الجمال لا يتخذ على الإطلاق نمطا معينا ولا قالبا واحدا، فهو يتغير باستمرار وفقا للبيئة المحيطة به والعصر المنتمي إليه. وهذا الرأي ينطبق على منحوتة فينوس دوميلو التي لم تعد مثيرة للاهتمام أو أكثر جمالا من المنحوتات القديمة للعالم الجديد المزينة بنقوش دقيقة والمغطاة بالريش. ظهر هذا الرأي في عام 1881،أي قبل عشر سنوات من مغادرة الفنان (غوغان) إلى المحيط وتحديدا في السنة التي ولد فيها بابلوبيكاسو.ويعد هذا الكتاب (الذي ظهر هذه السنة في طبعة جديدة أضيفت إليها المقالات المنشورة في الصحف والمجلات)مكملا لثلاث مهمات متتابعة وغير قابلة للانفصال.المهمة الأولى الأكثر ضرورة و الأشد خطورة هي مهمة التنظيف ورفع الأنقاض.فقد توجب هدم (وعلى غرار الكثير من النصب التاريخية المبنية من الجص) المنحوتات المشيدة بين صالون الفن والمعهد القريب منه في باريس وبين الأعوام (1870-1880). اتخذ هذا القرار من قبل أكاديميين ورسامين مدعين ومتعصبين في طرح آرائهم ومتملقين للغاية وقد تناول هايزمان قضيتهم لعدة مرات.فهو يعرف القانون الذي حماهم و منحهم ما لا يستحقون وهو القانون الذي يجمع بين الحماقة لغرض جذب العامة التي تصدقهم و من اجل مديح الصحافة التي تقودهم.وقدم هؤلاء الأكاديميون بالإجماع قانون الاختيار المتغير والملائم كثيرا لهم.واستنتج هايزمان(بفضل مجموعة من الرسامين الذين قادوه إلى صانعي الرسومات التاريخية و الميثولوجية و المجردة) وجود نخبة من رسامي الحياة الحديثة وما عرف فيما بعد بالانطباعية(1). وفي الوقت ذاته استماله رسامو الطبيعية لنقد لوحاتهم إلا إن بيزارو ومونيه (وعلى الرغم من إعجابه ببضعة أعمالهم) لم يفتنوه بقدر لوحات ادغار ديغاس، الفنان الذي أسره ببراعة مشاهده التي تصور المشاعر الداخلية للإنسان ومعزوفاته الطويلة المتعلقة بفن الرقص و الأساليب الخاصة بالتبرج و حفلاته المتعددة. وقد خصص هايزمان لهذا الفنان الكثير من دراساته المفصلة التي جمع فيها ابرز الأفكار بوصفه ناقدا وروائيا.لهذا السبب كان الترابط بين الرسام و الناقد منطقيا.وعلى سبيل المثال كتب هايزمان:(شاهدوا معي لوحة (اختبار الرقص) هذه و لاحظوا بدقة تلك الراقصة المنحنية التي تعقد حبلا بآخر ورأسها محاذيا لبطنها وقد برز انفها المعقوف بين طيات شعرها الكث.في حين جلست بجانبها إحدى زميلاتها المرتدية لثياب بالية تدل على انتمائها لطبقة العامة و يعلو خدها الكثير من النمش و شعرها مضموم تحت قبعة مزينة بالريش الأحمر).ومثلما ابتكر ديغاس أسلوبا جديدا في الرسم و التصوير للعالم المعاصر له منطويا على المدن و عوالمها،اوجد هايزمان أسلوبه الخاص في اختيار المفردات الدقيقة بمعناها و المتباينة بفحواها و باستخدامه للمصطلحات العلمية و العامة. كان لهايزمان نظرة ثاقبة مميزة للغاية ما جعله يثني على أعمال أخرى لرسامين مميزين دفعا ببحثه بعيدا عن التحليلات البصرية المجردة وهذان الفنانان هما: فوران و غايبوت الذي قال بحقه وفي دراسة نشرت في عام 1880 بأنه فنان كبير في حين ألف دراسة أخرى عن مانيه في عام 1877 أي في السنة التي رفضت فيها لجنة صالون الفن عرض لوحته (نانا). ويعد الأكاديميون ما نشره هايزمان أشبه بالدفاع عن هذه اللوحة التي جعلته يشعر (بنبض اللحم المكتنز والمتواري تحت القماش القطني الفاتح اللون). ومن إرهاصات الفن القديم، لم يهتم هذا الناقد بالفنانين الذين برهنوا على امتلاكهم لصفات الحركة الواقعية ذاتها إنما انصب اهتمامه نحو حركات أخرى.فقد فضل في ايطاليا الاتجاهات الفنية لرامبرانت وبروغيل وهالسكي بالإضافة إلى اينزور وروبس. ويرى إن البدائيين(2) كانوا أكابر الفنانين في العالم اجمع.ومن ايطاليا توجه ناقدنا نحو نهر الراين حيث اكتشف أعمال غرونولد في متحف (غاسيل)ونشر كتابا عنه عام 1905.نستنتج من هذه الدراسات النقدية المتنوعة،إن هايزمان الناقد والروائي قد تميز على اقرأنه،حتى المتخصصين منهم بحبه للإعمال ال
هايزمان .. العين والريشة
نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 03:21 م