فريدة النقاشتقول مؤشرات كثيرة إن جنوب السودان هو في طريقه إلى الانفصال في الاستفتاء الذي سيجري طبقا لاتفاق نيفاشا في عام 2011 ليصبح هناك جنوب مسيحي وثني وشمال مسلم، وينقسم البلد على أسس عرقية ودينية نتيجة لأخطاء فادحة. ويطرح هذا الانفصال الذي نتمنى ألا يتم وأن تحول تطورات إيجابية ما دونه في الشهور المتبقية القادمة
- يطرح قضية القوميات والاثنيات والطوائف المتنوعة في بلدان الوطن العربي، لا فحسب في ارتباطها بمفهوم القومية والأمة العربية الكبيرة، وإنما أيضا من ارتباطها بوحدة كل وطن من أوطان هذه الأمة على حدة، وهي جميعا أوطان تتميز بالتعدد الكبير في تكويناتها حيث يوجد الأمازيج وقضيتهم ولغتهم في بلدان المغرب العربي ويشتركون في الدين الإسلامي مع العرب ويتواجد الأكراد على نفس الشاكلة في كل من العراق وسوريا، وفي الأردن فسيفساء من الأجناس والديانات، وفي لبنان تبرز قضية الطوائف المتنوعة، وفي مصر تتبلور في ظل أزمة المواطنة والدولة قضية المسيحيين الذين يجري التمييز ضدهم في مستويات متعددة من العلاقات، وفي كل بلدان الخليج يجري التمييز ضد الشيعة رغم أنهم يشكلون الأغلبية في بعض البلدان مثل البحرين، وهناك أزمة مكتومة. وقد تعرض مفهوم القومية العربية وتجسيداته الحزبية المختلفة لمحنة كبيرة أطاحت بمصداقيته، وأثارت الشكوك حول مستقبله حين قام نظام «صدام حسين» في العراق قبل الاحتلال الأمريكي له بسنوات بغزو الكويت واحتلال أراضيها إثر صراعات سياسية ممتدة حول تسعير النفط، ووجه هذا الإجراء الاستعماري ضربة قاصمة للقومية العربية، وعمق الشكوك المتبادلة بين الشعوب وأطلق العنان للحزازات الطائفية والعرقية والنزاعات القبائلية والعشائرية والعائلية وما يزال جرح هذا الغزو ينزف حتى الآن.وفجر هذا الغزو الصراع مجدداً حول القومية العربية وأثار التساؤل حول حقيقة وجودها من عدمه وهل هي واقع موضوعي له معطياته أم وهم في رؤوس بعض الرومانسيين وانفتح الباب واسعا أمام التوجهات الوطنية المتعصبة في غالبية البلدان، وبرزت في هذا السياق أفكار وقوي سياسية معادية كلية للفكرة العربية بدعوى تطور مستوى الاقتصاد والعلاقات السياسية الاجتماعية في بلد ما عن مجمل البلدان واعتبار هذا التفاوت في مستوى التطور عائقا عمليا ونظريا أمام الوحدة القومية الاشمل، ذلك رغم أن مثل هذا التفاوت موجود مثلا بصورة لافتة بين الولايات الأمريكية وبعضها البعض وعلى مستوي آخر توقفت عملية التفكير في شكل الوحدة القومية عند التجارب المريرة للوحدة المصرية - السورية في ستينيات القرن العشرين والوحدة اليمنية في تسعينياته، فبعد أن ضرب الانفصال الأولي أخذت الثانية تتحلل تحت ضغط السياسات التمييزية الإقصائية التي مارسها شمال اليمن ضد جنوبه فتدهور حال الأخير بمعدل أعلى كثيرا من التدهور العام لليمن كله تحت معاول الفساد والاستبداد.وتبين الخبرة التاريخية التي جرى تأصيلها نظرياً وأثبتت فيما بعد فعالية إيجابية في واقع أشكال الوحدة التي نشأت في العالم جنبا إلى جنب خبرات التفتت أن التبعية للإمبريالية تلعب دورا محوريا في عملية التفتيت في سياق فلسفات ما بعد الحداثة لكي تتحول الأمم إلى شظايا والشعوب إلى زبائن وتلعب الإمبريالية على كل أشكال الانقسام في الأمة الواحدة والوطن الواحد. كما أنه بات من المؤكد أن الدولة الوطنية إما أن تكون علمانية وديمقراطية ومحايدة بين الديانات كافة وإما أنها تصبح عرضة للتفتت، وهو نفسه حال الأمة الأكبر شأن الأمة العربية التي تحتاج إلى تصفية حساب فكري شامل مع الوعي القومي الشوفيني الاستعلائي فيها لتتقبل شعوبها بشكل جدي حقيقة التنوع الهائل في مكوناتها والذي يشكل ثروة بلا حد، وإحياء الفكر القومي التقدمي الذي ينفتح على الاشتراكية والأممية من أوسع الأبواب لتصبح الهوية العربية في المستقبل ذات محتوى إنساني تشكله كل عناصرها وثقافاتها ودياناتها على قدم المساواة ليقيم العرب في المستقبل وحدتهم سواء فيدرالية أو كونفيدرالية على أساس علمي موضوعي طوعي يرعى مصالح الجميع دون استثناء، ويواجه بمجرد وجوده المشروع التوسعي الصهيوني الذي هو نموذج للتعصب والعنصرية.
علمانية وديمقراطية
نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 03:34 م