واحدة من الفضائل الكثيرة والكبيرة للإعلام الجديد، وبخاصة المتدفّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انه يوفّر إطلالة حيّة، بالصوت والصورة الساكنة والمتحركة، على الماضي، فالمواقع الإلكترونية العامة والشخصية تضخّ على مدار الساعة معلومات وصوراً وأفلاماً عن هذا الماضي.
القرن العشرون، بأحداثه العظمى وتقلباته الكبيرة ومنجزاته المذهلة، يبدو الأكثر إثارة للاهتمام من جانب الشباب على وجه الخصوص.. التعليقات المرافقة للـ"بوستات" تُظهر شغفاً لدى الجيل الجديد الذي يرى انه، بخلاف الجيل الذي سبقه، قد جاء الى الحياة في الزمن الخطأ، زمن العنف السافر والتعصب الديني والتشدد المذهبي، فالحقبة الممتدة من نهاية الأربعينيات الى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي تبدو لهذا الجيل العصر الذهبي للعرب والمسلمين.. عصر التنوير والتحضر والتمدن والتنمية والإبداع.
هنا في بغداد، على سبيل المثال، ثمة هوس في مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الصور الفوتوغرافية والأفلام الوثائقية عن الحياة الاجتماعية والثقافية للعاصمة في تلك الحقبة.. جامعة بغداد، شارع الرشيد، شارع السعدون، شارع أبو نواس، ساحة التحرير، الكاظمية، الأعظمية، كرادة مريم، النوادي الاجتماعية، المسارح، دور السينما، صالات العروض التشكيلية، وسواها.
من أبرز ما يُلفت في تلك الوثائق، صوراً وافلاماً، ان العسكر، ضباطاً أو جنوداً في الجيش أم في الشرطة، من العهد الملكي أم من العهد الجمهوري، يظهرون ممشوقي القوام، مرتبي الهندام، نظاميين، ملامحهم ولغة أجسادهم تدلّ على التواضع. وهذا كله يخالف كثيراً ما نشهده الآن، فالصور التي تنشرها صحفنا والأفلام التي تبثها محطات التلفزيون نادراً ما نرى فيها ضابطاً بقوام رياضي.. كثير من الضباط، وبخاصة القادة، سمان بكروش متدلية، بعضهم بالكاد يستطيع أن يمشي.. وهذا لا يقتصر على ضباط المقرات وإنما حتى الضباط المرابطين في الميدان!
هذا لجهة الضباط، في الجيش والشرطة على حد سواء، اما الجنود والمراتب الأخرى فغالباً ما نراهم غير متحللين من الالتزام بالنظام.. خذوا مثلاً العناصر التي تعمل في نقاط التفتيش (السيطرات).. في الأعم الأغلب نراهم متجمعين "يسولفون" أو مشغولين بتلفوناتهم يجرون مكالمات أو يكتبون رسائل. في الماضي ما كنّا نرى الجندي أو الشرطي يدخّن أثناء الواجب.
في تلك الحقبة أيضاً كان لمعلم الابتدائية ومدرّس المتوسطة والاعدادية واستاذ الجامعة هيبة تبز هيبة السياسيين والعسكريين، بيد انهم اليوم في حال مناقضة تماما للحال التي قال فيها الشاعر "قم للمعلم وفّه التبجيلا...". والحق في ذلك على الأغلبية من المعلمين والمدرسين الذين تراجعت مستوياتهم التعليمية والعلمية فتردّت مرتبتهم في السلم الاجتماعي.
البرلمان والحكومة مسؤولان على نحو مباشر عن إعادة الاعتبار للمهنة العسكرية والأمنية والمهنة التعليمية وسواهما من المهن.
كيف كنّا .. كيف صرنا!
[post-views]
نشر في: 2 يونيو, 2015: 09:01 م