اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > في يوم الطفل العالمي..براعمُ ملوّنة خطفتها تجارة التسوّل

في يوم الطفل العالمي..براعمُ ملوّنة خطفتها تجارة التسوّل

نشر في: 3 يونيو, 2015: 09:01 م

(ابو كريم) ، كانت هذه كنيته التي عرف بها في ارجاء المنطقة وخاصة المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه يوميا، ابو كريم لم يبخل في يوم ما على اي متسول يمر بالمقهى او في المكان الذي يجلس فيه. فقد كان مرحبا به في كل ارجاء المدينة التي سكنها منذ عقد او اكثر، حيث ا

(ابو كريم) ، كانت هذه كنيته التي عرف بها في ارجاء المنطقة وخاصة المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه يوميا، ابو كريم لم يبخل في يوم ما على اي متسول يمر بالمقهى او في المكان الذي يجلس فيه. فقد كان مرحبا به في كل ارجاء المدينة التي سكنها منذ عقد او اكثر، حيث اشترى بيتا وبستانا كما قام ببناء عمارة من ثلاثة طوابق لا اكثر، اي حسب امكانيته كما يقول هو. ذات مساء وهو يجلس بالمقهى كالمعتاد مر رجل يستعطي. نادى عليه ابو كريم ، وكالعادة اجلسه بجانبه، وطلب له شايا وماء. وبعد ان تبادل الهمس مع المستعطي. نهض من مكانه واشبعه ضربا (بالعوجية) العكاز. وحين استفسر منه جلّاس المقهى ومن يعرفه عن سبب ذلك، وما هو سر الهمس مع هؤلاء الناس. رد عليهم ابو كريم، سألته: كم سنة صارلك تجدي. رد: والله حجي صار عشرين سنة. الامر الذي اثار جنوني وغضبي. والحديث لابي كريم :"في غضون خمس سنوات استطعت جمع مال البيت والبستان وبناء العمارة"، ضحك الجميع وخرج بعضهم يضرب كفا بكف. 
مقاول ومتعهد
البعض امتهن التسول وبرع في ممارسته كمهنة، تحول مع مرور الوقت الى مقاول او متعهد، يقوم بتاجير بعض التقاطعات والشوراع المهمة او تشغيل صبية لحسابه الخاص. وهذا ما اكده (ابو مهدي) صاحب فندق في منطقة البتاوين اغلب نزلائه من المتسولين. بعضهم من مناطق اطراف بغداد واخرون من المحافظات. يتحدث ابو مهدي عن صفقات تبرم بين ما يعرف بالمقاولين او المتعهدين وهولاء يسكنون في فنادق درجة اولى او في شقق اغلبها في شارع السعدون. 
بالقرب من فندق ابو مهدي تقع (اسواق ضياء) او كما تعرف (صيرفة المجادي) اي المتسولين، حيث ياتونه بالعملات الصغيرة فئة 250 دينارا و500 دينار. والاتفاق هو ان كل 25 الف دينار تصرف بعشرين الف من فئات كبيرة. يقول هذا اتفاقي معهم بعضهم يحاول الالتفاف من خلال شراء بعض الحاجيات اليومية واعطاء المبلغ بالعملات الصغيرة. ربما ينجح مرة او مرتان لكن بعد ذلك يعامل معاملة التصريف.
ابو مهدي يشير الى ظاهرة تاجير الاطفال بأعمار صغيرة تتراوح بين ثلاثة الى خمسة اعوام ، اذ يكون الدفع مقدما كما ذكر وبمعدل 20 الف دينار لليوم الواحد. احد الجالسين في غرفة ابي مهدي جاء يتسلم يومية ابنائه الثلاثة : طفل ايجار بعمر اربع سنوات. واثنان يعملان عند احد المتعهدين بمبلغ يومي قدره 10000 الاف دينار.
ابتكارات جديدة
وسط شارع الربيعي يقف احمد (16 عاما) ، تارك للدراسة يتيم الأبوين يسكن عند أخيه الأكبر في احد اطراف بغداد. يحمل احمد كيسه متنقلا بين جهتي الشارع اينما توقف السير. يطرق زجاج نوافذ السيارات التي غالبا ما تكون حديثة. من استجاب منهم وفتح النافذة يعطيه الهدية كما يسميها، منتظرا هديته. 
هدية احمد عبارة عن حرز او دعاء يلفه بطريقة متقنة جدا بقطعة قماش خضراء او بيضاء، ويضعها على دشبول السيارة وهو يقول: "ربي يحفظك ويحفظ عائلتك وبيتك وسيارتك، هذا الحرز والدعاء هدية انت تستاهل ايبين مالك حلال." وحسب قوله فإن هناك من يقبلها ومن يرفضها وهم قليلون جدا. احمد يجمع يوميا قرابة 50 الف دينار. صافي الارباح كما يسميه. بعد استقطاع ثمن قطعة القماش وورقة الدعاء التي يشتري كمية منها من احد المكتبات مع اجرة زوجة اخيه التي تتقن عمل الحرز او الحجاب.
الابتكارات لم تتوقف عند هذه الحد، فقد استغل البعض من الاطفال المطبات (الطسات) وما اكثرها في شوارعنا، والتي تجبرالسائق على الابطاء. اذ يسارعون الى عرض بضاعتهم والتي غالبا ما تكون (علكة / جكليت / حامض حلو).
داعش والتسول
الوقت يشير الى الظهيرة / ساعات الذروة والاختناق المروري، خاصة منطقة الباب الشرقي، ما ان تخرج من النفق حتى تصطدم بفتاتين تتحدثان اللهجة السورية. على مقربة منهن رجل معاق وابنته يلوح بيده بجواز السفر السوري. بعد الساعة الثالثة تاتي مجموعة اخرى تاخذ مكانهم وهذه المرة من المهجرين او النازحين. وطبعا في الصباح كان المكان من حصة اشخاص اخرين.
احدى الفتاتين تقول: لم يكن امامنا سوى هذا الحل مجبرين ولسنا مخيرين فالحال صعب ولاعمل للرجال وان وجد فلا يسد الحاجة. وعن المشاكسات او المضايقات التي يتعرضن لها قالت: في البدء كنا نسمع كلاما كثيرا وترمى علينا ارقام هواتف وما شابه لكن بمرور الوقت تلاشت.
القانون العراقي
من العوامل المؤثرة في معالجة ظاهرة التسول والانحراف عند الأطفال الوضع القانوني الذي تتبناه الدولة للحد من هذه الظاهرة، من خلال استخدام الأسلوب الاوفق وليس المعالجة، فقد ثبت إن التشريعات وحدها لا تفي بالمعالجة ما لم تسبقها استعدادات تعبوية شعبية في توعية مفهومة. وأثرها الاجتماعي السلبي على الجميع كي يمكن للتشريعات أن تفعل فعلها بعد ذلك التشريع الوحيد للحد من هذه الظاهرة وكان في عام 1969 من قانون العقوبات العام المرقم 111 المعدل والمتضمن المواد التالية: المادة ـ 290/ 1ـ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة أشهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وجد متسولا في الطريق العام والاسواق والاحياء السكنية وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة إذا تصنع المتسول الإصابة بجروح أو عاهة أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع لكسب إحسان الجمهور أو كشف عن جرح أو عاهة أو في الاستجداء . 2 ـ إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه أحكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب مخالفة .
المادة ـ 291/ يجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة، أن تأمر بإيداعه مدة لا تزيد عن سنة دارا للتشغيل من كان قادرا على العمل أو بإيداعه ملجأ أو دارا للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفا بها إذا كان عاجزا عن العمل ولا مال لديه يقتات منه، متى كان التحاقه بالمحل الملائم له ممكنا . اما المادة ـ 292 فقد نصت على، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أغرى شخصا لم يتم الثامنة عشرة من عمره على التسول، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أسهر والغرامة التي لا تزيد عن مائة دينار أو إحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجاني وليا أو وصيا أو مكلفا برعاية أو ملاحظة ذلك الشخص.
مع أن هذ المواد القانونية عالجت مشكلة التسول والاستجداء من عدة جوانب اجتماعية وعقابية الا انها لم تطبق بشكل فعلي لا سباب عدة تقف في مقدمتها الظروف الآنية التي يمر بها البد منذ الحرب الاولى الى يومنا هذا. مع غياب الاجهزة الرقابية والتنفيذية المتابعة والأوامر الخاصة حسب الظروف الآنية والمستعجلة، إلا أن صعوبة تفعيلها بسبب ضعف الأجهزة التنفيذية وعدم الجدية في التنفيذ جعل من هذه المواد حبرا على ورق، كما أن عملية التقادم على هذه القوانين وعدم سن قوانين وتعليمات مواكبة لتطور هذه الظاهرة أفرغها من كل فاعلية أو أهمية، وما زالت هذه المعالجات تخضع للظروف الآنية في تفعيلها أو العكس ما أدى إلى انتشار ظاهرة التسول بشكل غير مسبوق، وقد ساهم تعاطف الرأي العام مع ظاهرة التسول في إخفاق تفعيل هذه القوانين باعتبار التعرض لهم عمل غير أنساني.
وجه خير
البعض من النساء تجدهن وفي حر بغداد القائظ صيفا تحمل طفلا وتتخذه وسيلة للاستجداء والتسول وهو ليس طفلها. الطريق من النجف الى بغداد انقضى بقرابة ساعة ونصف وبضع دقائق بسيارة (البهبهان). ومن العلاوي الى ساحة النصر بساعة ونصف، وسط حر قائظ اذ تشير الساعة الى الواحدة ظهرا. وسط جسر السنك بين صفي السيارات تقف امراة تدفع بعربة اطفال تجلس بداخلها طفلة بعمر اربع سنوات تقريبا. كانت تدور بها بين السيارات. بعد نصف ساعة تقربيا وصلت السيارة الى ساحة الوثبة وبالمصادفة قبل دخول التكسي الى النفق شاهدت المرأة والطفلة يعبرن الى جهة الشارع الاخرى. ترجلت من السيارة. المراة تدخل الزقاق بعد دقائق تخرج منه بدون الطفلة. حديث لدقائق تبن انها تستاجر الطفلة يوميا بمبلغ 25 الف دينار. حيث وصفتها بـ (وجه خير مرزوقة). علما ان ارباحها اليومية مابين (70 الى 80 ) الف دينار.
 
 
 
فارزة

الأوضاع الصعبة والاستثنائية التي مر ويمر بها العراق قد يكون لها الأثر الأكبر على شرائح المجمتع وخاصة الأطفال والشباب، اذ أجبرت هذه الظروف ،وخاصة الاقتصادية، العديد من الأطفال على التسرب من المدارس والانخراط في بعض الاعمال والمهن الشاقة أو التسول في الشوارع. لكن ان يصل حد التنافس بين المتعهدين والمقاولين إلى إجراء مزايدة علنية بينهم للفوز بالأماكن التجارية المزدحمة او تقاطعات المرور الرئيسية فهذا الامر بحاجة الى وقفة، اذ تشير المعلومات الى ان سعر بعض الاماكن وصل الى 5 ملايين دينار شهريا.
ارتبطت ظاهرة التسول عامة وتسول الاطفال خاصة بالمنظومة الشاملة للمجمتع بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية والأخلاقية والدينية. كل جانب هنا يتحمل جزءا من تفشي وانتشار هذه الظاهرة الاقتصادية التي تحملت انعكاسات الحروب وسوء الادارة والتخطيط لموارد الدولة من غياب الرؤى والخطط القانونية البعيدة المدى خاصة في الجانب الذي يتعلق بتحديث وتطوير التشريعات التي تمنع هذه الظاهرة وتكافح انتشارها، واجبار الاجهزة التنفيذية متابعة تلك التشريعات والقوانين وتنفيذها. اما الدينية فحسب نظرية "انت انطي والله كفيل بذلك". او عدم رد السال والمحتاج كما اوصى الدين. ولاباس بذلك من جانب انساني. لكن الى متى يستمر العمل وفق هذه الرؤية والمنظور. اليس من الافضل انشاء ورش عمل او مدارس مهنية لتطوير وتحسين كفاءة الاطفال المتسولين واعاده تاهيلهم ودمحهم بالمجمتع. والامر هنا يقع على عاتق الحكومة والجهات المعنية بالامر، ومنظمات المجمتع المدني، والمؤسسة الدينية التي تملك المال والسلطة في الوقت الحاضر.
تشير دراسة اعدها باحثون عراقيون خلال جولة ميدانية عن التسول وحقيقته وخفاياه في المجتمع العراقي الى ان نحو 90% من المتسولين لديهم الخبرة والقدرة على العمل من دون مد اليد وطلب المساعدة من الناس وان 10% المتبقين هم فقط من يحتاجون الى المساعدة فعلا، وان نسبة 50 % من التسعين يتاجرون بالاطفال ويتسولون بهم، تشكل النساء النسبة الاعلى منهم. الامر الذي يشير هنا الى اهمية الوعي في مكافحة هذه الظاهرة ومنع المتاجرة بالاطفال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram