زرت فيينا عاصمة النمسا قبل بضعة أسابيع لبضع ساعات في زيارة عمل سريعة، ولم يكن لدي الوقت الكافي للسير فيها كسائح. لكن فيينا مدينة لا يمكن للمرء السير فيها دون أن نلاقي فيها معالم ثقافية وتاريخية هامة. فالصدفة وحدها قادتني إلى المرور من أمام البيت الذي
زرت فيينا عاصمة النمسا قبل بضعة أسابيع لبضع ساعات في زيارة عمل سريعة، ولم يكن لدي الوقت الكافي للسير فيها كسائح. لكن فيينا مدينة لا يمكن للمرء السير فيها دون أن نلاقي فيها معالم ثقافية وتاريخية هامة. فالصدفة وحدها قادتني إلى المرور من أمام البيت الذي توفي فيه فرانس شوبرت (1797 – 1828) في المنطقة الخامسة (فيدن) شارع كتنبروكن غاسه رقم 6 المؤدي إلى سوق ناش الشهير. وهذا البيت هو بيت أخيه فرديناند. ودفن شوبرت إلى جنب قبر بيتهوفن الذي أجله كثيراً، لكن رفاته ورفات بيتهوفن نقلا سنة 1888 إلى المقبرة المركزية في فيينا حيث نجد اليوم قبريهما إلى جانب قبور يوهان شتراوس ويوهانس برامز.
وفي الجانب الثاني من نهير فيينا رأيت لافتة كتب عليها "بيت هايدن"، فهرعت لرؤية البيت الذي أمضى فيه أبو السيمفونية والرباعية الوترية السنوات الأخيرة من عمره حتى وفاته في 31 أيار 1809. يقع البيت اليوم في شارع هادئ قصير اطلق عليه اسمه في المنطقة السادسة (مارياهلف)، وحولته بلدية فيينا إلى متحف. بعد ذلك جلست في حديقة صغيرة أمام كنيسة قريبة وتطلعت إلى جدارها فرأيت قطعة برونزية تعلن أن جثمان هايدن سجي فيها يوم 1 حزيران 1809 قبل نقله إلى مثواه الأخير في مراسيم بسيطة، إذ وقعت فيينا تحت احتلال جيوش نابليون قبل اسبوعين من وفاته.
دفن هايدن في مقبرة قريبة، لكن سرعان ما سرق رأس هايدن، وقد بان الأمر عندما أمر الأمير نيقولا أسترهازي في 1820 باستخراج جثمان هايدن لنقله إلى قصره آيزنشتات حيث خدم هايدن اسرة أسترهازي لعقود من السنين. ولم تسترجع جمجمة هايدن إلا في سنة 1954 حيث دفنت مع باقي جسده.
لم أتهيأ للقيام برحلة "موسيقية" إلى فيينا في ذلك اليوم، لكني اجبرت على السير في الشوارع ذاتها التي سار عليها هايدن وبيتهوفن وشوبرت وغيرهم من عباقرة الموسيقى، لأن شوارع فيينا لا تزال تتذكر وقع أقدامهم عليها، لا بل تفعل بلديتها المستحيل من أجل الحفاظ على ذكراهم.