TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > يحيى الشيخ في معرضه الشخصي ( لبّاد-Felt)..زواهي ثقة الاهتمام بالشكل

يحيى الشيخ في معرضه الشخصي ( لبّاد-Felt)..زواهي ثقة الاهتمام بالشكل

نشر في: 6 يونيو, 2015: 12:01 ص

 تبقى انبثاقات قول ذلك الحكيم الصيني القديم،من أن براعة الفنان المبدع تكمن بحثيث سيطرته في أن (يأسر السماء والأرض داخل قفص الشكل)،مثار توافق ذهني ومعرفي يساند نشوة اكتشاف رصانة المضمون من خلال تبني ثقة الإهتمام بالشكل،كونه معادلا موضوعيا يزيد من

 تبقى انبثاقات قول ذلك الحكيم الصيني القديم،من أن براعة الفنان المبدع تكمن بحثيث سيطرته في أن (يأسر السماء والأرض داخل قفص الشكل)،مثار توافق ذهني ومعرفي يساند نشوة اكتشاف رصانة المضمون من خلال تبني ثقة الإهتمام بالشكل،كونه معادلا موضوعيا يزيد من مساحة تلك النشوة الغامرة وتحريضاتها المستمرة على إبقاء تلك العلاقة رهن ذلك التوافق والانفتاح على نحو تفاوض جمالي،يسعى وصولا الى تماسك معرفي رصين،باستطاعته مسك الاثنين معا، بالنهج والأسلوب الذي يراه هذا المبدع أو ذاك.

 

لعل دواعي الاكتفاء بالوقوف عند عتبات تجربة الفنان التشكيلي الكبير(يحيى الشيخ-تولد ميسان/قلعة صالح-1945) في زهو معرضه الشخصي الأخير،الذي اتخذ من اسم المادة التي اشتغل عليها بحس وعي فريد ومتماسك( لبّاد-feit)عنوانا لذلك العرض المبهر الذي أقيم على قاعة(الأورفلي-عمان نهاية نيسان/2015)،هو ما سيتيح لنا فحص تطلعاته الإجرائية والتحليلية في قدرة إعتماده على مادة(بعينها)في توضيح نسق وألق تلك التطلعات،بعيدا عن نسق توريداته البصرية السابقة التي أنجزها على مدار نصف قرن-تقريبا-من تلك التحفيزات النوعية التي لامست جوهر الأدب(شعر- قصة)ومقتربات أخرى،وفي مديات أخرى(تصميم أغلفة الكتب لعدد كبير من الأدباء في فترة السبعينات)وبعض محاولات النحت،بل كل ما تمخض من إمكانيات ادائية عبر ممكنات وعي ثنائي-استثنائي،زها يتشكل ما بين(الكتابة)وما بين(الرسم)وعلى هدي خطوات واثقة تكاد أن تجاري سيرها المتقارب آفاق وعي متقدم ومحصول ثقافة ساندة،قادرة على التباهي بمؤهلات محتوياتها،الى جانب ملكات الرسم التي تقادحت جمراتها-على نحو واضح-في مواقد مرسم ثانوية العمارة-تحديدا-(60 لغاية62)،حين كان طالبا فيها،وما ساعد وشدّ من أزر موهبة(الشيخ-التلميذ)معلم مادة الرسم الأستاذ(منعم مسافر)الذي كان يثني عليه بلقب(رسام جيد)كلما أنجز عملا جديدا،ولعل لرفقة الرسامين(شاكر حمد)و(إبراهيم زاير)إبان سنوات تلك الدراسة في ذات الثانوية،الأثر الكبير على تنشيط ملكاته وترسيخ ثوابتها،بعد امتداد أواصر أثر الدراسة وصولا الى أكاديمية الفنون الجميلة العليا في بغداد،وتصادفات تدريسه من قبل ثالوث فني-أكاديمي نادر و رصين،يتمثل بـ(فائق حسن) في درس الألوان،والبولوني(رومان أرتموفسكي) في درس الكرافيك والتخطيط وأخيرا المقدوني(فيكتور لازسكي)في درس الإنشاء التصويري.
ما قبل اللبّاد ...وبعده
يتجلى الوقوف-ثانية- عند عتبات معرض (يحيى) الأخير من خلال أهمية إفراد مساحة وعي مضاف لممكناته وملكاته التحديثية وانهماكاته التجريبية في تطويع مواد ليست سهلة-على الإطلاق- في مضامين وحيثيات استجاباتها لمقدرات الفنان الذي تمرس بالتعامل والتفاوض مع خامات معينة ومعروفة،وما هذا العرض المكلف والصعب،إلا استكمالا مهيمنا لدواعي الاكتفاء بتقيم هذا الاجتراح النوعي الأمثل،في تحريك (مسامات)-ونعني لوامس-البّاد-Feltبتبعثرات وصلادة خامته من حيث تقبلها للألوان بالحس واللمس(تكسجر)والقدر الذي يسعي إلى وضعه الفنان،وبالتفكير الذهني والخلاصة المعنوية والمعرفية للمواد والخامات التي ينفذ بها أفكاره ومرامي أخيلته وترصيف رؤاه باتجاه غاياته المثلى.
وعلى الرغم من هيمنة الكثير من الأعمال بقياساتها الكبيرة والمنفذة عبر مغامرة محسوبة الرهان على تطويع هذه المادة العصية من خلال سلسلة تحضيرات وإجراءات تمهد لها قبول تلك الاستعدادات،حفلنا بوجود عدد من الأعمال-وبقياسات متوسطة وصغيرة نسبيا-جاورت طريقة البحث التي اتبعها(يحيى)في خضم معرضه(لبّاد)،الرامية الى تعزيز فن الطباعة والحفر مجددا،وبتمهيد حيوي بارع التكثيف فيما يتعلق بالرسم عبر تقريظات اللصق(كولاج)،حيث إنساق ذلك العدد المبرم من مجتهدات وإستلهامته التعويضة،وبما يحاذي طبيعة ميوله في تعميد لوحته بالممكن من مختزل الأشخاص(الفكرات)المتباعدين عن بعضهم- قصدا تحسسيا ونفسيا وتقنيا-في ملاك بسط مساحات شاسعة-نسبيا- نتهيبها مغطاة بالثلج أو مدغمة بروحية لون الجليد-إن صح التعبير- ودرجات سمكه المكتظ ببياض مريب،حين راح يغمر به أغلب فضاءات محيط تلك اللوحات،مكتفيا ببث بعض التنويرات التصويرية لوجوه مختزلة هي الأخرى،جلها يدور في فلك موحش،رغم بهاء براعة(لطخات) اللون المختار برصد وعناية محكمة ،تضاهي فكرة اختصار مبهم لمجمل أولئك الإبطال المتوحدين في حرج حركات بليغة وموحية،منها ما هو مقلوب،ومنها ما هو على وشك أن ينقلب،جراء ما يصب العالم كل يوم من اختلالات ولا توقعات مستمرة.
عالم اليوم- في ظني ومن وجة نظر أبطال(يحيى الشيخ) في ألبوم مجموعة هذه الاعمال،تحديدا- لم يعد سعيدا ولا حانيا،من فرط بلاغة الإحساس بالوحدة وحالات التغرب والانشداد جراء تقاطعات السبل نحو مقاصد أضحت مجهولة،ومعبدة بشجون ووحشة قاسية،يتماثل اتحاد حضورها-ربما- في هيبة ذلك المقطع الموجع من قصيدة للشاعر اليوناني(كفافي)أو(كفافيس)،والذي تضمنته أحدى فصول مذكرات (يحيى) في كتابه (سيرة الرماد):
( ما دمت قد خرّبت حياتك،
في هذا الركن المهجور من العالم،
فهي خراب لك،
أينما حللت.)
الشكل في ثنيات المضمون
سنسعى الى تقريب معاملات ارتباط إقتراب(يحيى الشيخ) ما بين نحت تجربته اعتمادا على صعوبة المادة،واستحالة تطويعها الى شرط مضموني يحادد فكرة البقاء التي تناور في تخطيها رسوماته وتقديراته الشرطية،وفق مساعٍ تجريبية صارمة-قطعا-،وما بين زهد مساعيه في تبني لغة خطاب بلاغي النزعة والتصور و الانهماك،وستظهر- لنا- علائم تلك المعاملات الارتباطية في بناء وحداته المشغولة بجوهر وخواص المادة(اللبّاد)-هنا-والتي أستطاع قهرها بهذا الولع الحاني من الأعمال،حتى حيال انقسامها الى أشكال مباشرة-نعم محورة بعض الشيء- ملابس(قمصان)وأربطة عنق،أو في حالات تخريجاتها الى حالات وجدانية وعواطف تجريبية عاصفة (إن نجح التوصيف) ترفل في أنساق حرة حافلة بوجودها التصميمي الواضح الثقة وبخصوصة ملامحها(بعد أن تنقل-اضطرارا- ما بين عدة أمكنة ودول عربية أو أوروبية،وليستقر به الحال-الآن- حيث يقيم في النرويج)لكنها تسعى-ضمنا- نحو ترصيف وتحفيز لجملة من تفاهمات واحتكامات مقصودة ومرضية-ربما- ما بين سطوة الشكل المفروض عليه-الى حد ما- جراء أصل ونسيج تلك المادة التي اجتهد في تطويعها وتذليل ما يمكن تذليله،وصولا الى مسعاه،وبما يلائم صواب نظرته الوثقى وبنود نظريته للعالم،الذي من أجله تغرب(يحيى) بطواف مدن وأماكن عديدة،ظلت لائبة وحاضره في ضميره السياسي و(دوغماويته) التي ناضل من أجلها،مذ كان طالبا في مرحلة المتوسطة).
يأتي تنوع مخارج ما أرادت أعمال هذا المعرض قوله والتصريح به(اللبّاد ومجموعة المجاورة له) ،بمثابة تحد راسخ في حيثيات تفكير الفنان،من حيث كوامن الثقة بمهارات وخبرات ما يملك،ومن حيث قدرة السير في دروب وعرة،قصدا وتقصيا في كشف فضاءات أعم وأشمل عبر مكملات ما يمكن أن يلبي فضول لهفة مزاولة التجريب والخوض في غماره،والغرف من ينابيع مياهه العميقة،وتلك ميزة لازمت-على ما يبدو- أغلب تجليات-وأعني مغامرت-(يحيى الشيخ) في طبيعة العمل و الاشتغال على عدة مواد،لم يكن يدور في خلد أحد غيره من الرسامين بغية تطويعها لصالح الرسم أو النحت وما يجاورهما،كما حصل في هذا المعرض،وجرأة محاذاته في الاشتغال على الصوف وتلبيده-في محاولات سابقة- ومن ثم على ريش الدجاج والطيور الداجنة،من خلال تمريرات لظواهر وتمرسات لنوازع شعرية،مقاربة لمحتويات تفكيره،من تلك التي أضحت محض تعليلات ضمنية-محورة تفيض بفرض هواجس ولجج التجريب لديه،وبما يفوق بمسافات أبعد بكثير مما يشغل كل من اشتغل في هذا الحيز من المراس الجدي والتفكير الحر،فثمة نهج خاص في تكوينات رؤى(يحيى)،بات يصرح به ويشيد عليه مرتسماته التجسيدية يفيد(أي ذلك النهج) بأن للخامة بطبيعة حالها حضورها المستقل عن العمل الفني ذاته-ليضيف مستدركا-(مع إنها تشكله)،واصفا معنى المادة-الخام على إنها (وعاء لفكرة العمل)،ولعل لهذا الوعي والتصريح يعيننا-كثيرا-في فهم دواعي ومنبئات ما يضمن ربح رهان(يحيى الشيخ) على أية مادة تغوي تفكيره وتطاوع تطلعاته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram