عندما توفيت أم حسين الخبّازة في بداية السبعينات كان ولدها حسين معنا في الصف الثالث الابتدائي. واحد من أذكى التلاميذ وأشطرهم. ظل هكذا حتى وصل الإعدادية مصرا على تحقيق حلم امه بأن يصبح طبيبا. تزوّج أبوه بعد عام من وفاة أمه فصار له أخوة من ابيه. كانوا يكرهونه لأن امهم تكرهه لا أكثر ولا أقل. نجح متفوقا بالفرع العلمي. كلية الطب ،غصبا عنها، قبلته في آنها. اليوم هو طبيب بارع بدرجة مستشار في احد المستشفيات الأردنية.
في آخر ايام دراسته الإعدادية كان يعمل في البناء "يِجبن" الجص ويناوش الطابوق. أما اخوته فمثل اخوة "الخضراء" دلال في دلال في دلال. يكدّ عليهم بعد ان تنزع منه أمهم ما يكسبه كشعرة من جلد خنزير كما كانت تقول.
اكثر ما آلمني في تعاملهم معه انه يوم تخرجه من الإعدادية بمعدل جاوز الـ 95% خاف ان يخبر امرأة ابيه واخوته حتى لا يكيدون له كيدا. حضر الى المقهى ولم يذهب الى بيت ابيه وصار يهمس لنا بنتيجته نحن أقرب أصدقائه ويحلّفنا ان لا نخبر أحدا. عندما سمع بالخبر صديقنا الشيوعي رحيم طار من الفرح وعزم على ان يقيم له حفلة فرح في بيته الذي يقع في قطاع ابعد من قطاعنا.
ذهبنا الى هناك فوجدنا الزينة قد علقت واخوات رحيم استقبلننا وكأنهن اخوات حسين. كان يوما فرحا أبيع المتبقي من سنيّ عمري لمن يجيئني بمثله اليوم.
الذي استوقفني بكاء حسين. ولك ليش تبجي؟ الفرح بدون اخوتي يظل ناقصا. ابكانا معه. لا أدرى لماذا حين يجتمع الفرح مع الألم تتوجع البلاعيم؟
مرة أخرى اوجعتني بلاعيمي وانا الذي كنت كما الطائر فوق الغيم من شدة الفرح بفوز فريقنا بكأس آسيا 2007. ليش؟ لان احتفال الفوز لم يكن على أرض العراق بل في الامارات وفي دبي بالتحديد. كثر الله خير الامارات لكن العريّس الذي لا يعرّس بين اهله يظل مكلوم القلب. ظننتها ستكون آخر "لوية" بلاعيم ولن يفرح العراقي بعدها الا بين اهله.
قبل أيام تعدى الألم البلاعيم ليمس الضلوع وانا أرى دبي تحتفل بتكريم مبدعنا العموداتي الكبير خالد القشطيني. من هو الأولى بهذا الاعتزاز بغداد أم دبي؟ أخالد الذي اشبع بغداد حبا وكتابة تكرمه دبي وتنساه بغداد؟ هل صار الآخرون يعرفون بشعاب مكتنا أكثر منا؟ يبدو انهم كذلك.
شكرا لحكومة دبي وتعساً لحكومتنا التي لم تنصف مبدعاً حقيقياً ولم تكسر خشم سارق او مارق الى اليوم.
أهـــــــــل "مــكّتِـــنــــا" لا يـــــــدرون بشــعـــابــِهــــا
[post-views]
نشر في: 6 يونيو, 2015: 09:01 م