TOP

جريدة المدى > عام > اثنتان وثلاثون شمعة للشاعر أمل دنقل..الشاعر أمل دنقل.. في أوراق الغرفة

اثنتان وثلاثون شمعة للشاعر أمل دنقل..الشاعر أمل دنقل.. في أوراق الغرفة

نشر في: 8 يونيو, 2015: 12:01 ص

في 21/ آيار/ 1983. أشعل الجنوبي،شمعته الأولى في الشاطئ الآخر..أشعلها بصراعه المرير ضد شراسة الألم....تحاول قراءتي المنتجة التقاط عينات شعرية،للاستدلال شعريا على خصوبة وانفتاح الواحد من خلال تكاثره..المتعدد..سأتوقف عند..(أوراق الغرفة (8)..) الديوان ال

في 21/ آيار/ 1983. أشعل الجنوبي،شمعته الأولى في الشاطئ الآخر..أشعلها بصراعه المرير ضد شراسة الألم....تحاول قراءتي المنتجة التقاط عينات شعرية،للاستدلال شعريا على خصوبة وانفتاح الواحد من خلال تكاثره..المتعدد..سأتوقف عند..(أوراق الغرفة (8)..) الديوان الأخير للشاعر ، ويضم هذا الديوان القصائد الاخيرة التي كتبها أمل دنقل طوال فترة مرضه الذي صارعه أربع سنوات من أوائل أيلول 1979 حتى أيار 1983 والعنوان ليس من اختيار الشاعر ..ربما من اختيار رفيقة حياته السيدة عبلة الرويني.. والغرفة 8، حسب الناشر(هي آخر الغرف التي قاوم فيها أمل مرضه، قرابة عام ونصف، في الدور السابع من – المعهد القومي للأورام، من شباط 1982 الى يوم رحيله في الساعة الرابعة من صباح السبت الحادي والعشرين من أيار 1983..بالنسبة لي كقارئ انشددت للشاعر امل دنقل وانا اقتني نسخة من ديوانه (تعليق على ماحدث) . كان ذلك في تلك السنوات الخضلة حيث كان الامل يتقدمنا في كل شيء..ثم اخذت اتابع دواوينة واعود الى مافاتني منها..وقد كان للوصايا العشر دويها الشعري الهائل..حين نشرت في مجلة آفاق عربية 1981...بعد ربيع 2003 بسنوات توفرت لي نسخة من الاعمال الشعرية الكاملة للشاعر أمل دنقل.
*الورقة الأخيرة..
توظف قصيدته (الورقة الأخيرة ) صورة فوتوغرافية عائلية، ومن وجه معين يبدأ تبئير المشهد الشعري من هذا الوجه،تنداح الصور،اندياح دوائر مائية،تحدثها حصاة ونحن نشطحها على وجه ماء النهر..يشيّد الشاعرقصيدته،من خلال عدة وجوه ، كل وجه هنا شاشة من خلالها تبث القصيدة سيرورة ضوئها ..في الوجه الأول ينكشف الينا الشاعر في صورة ،يتأمل الشاعر الصورة يتعرف على نفسه فيها وينكرها في الوقت ذاته،فهو لم يعد هو بسبب عامل الصيرورة وسوف نلاحظ ان الزمان بشروطه هو الشخصية الرئيسة في هذه القصيدة،ومَن كان طفلاً سيعرفنا على الآخرين في الصورة :الأب/الأخت/الآخرين..هل القصيدة محاولة شعرية لإعادة الحياة،للذين ابتلعهم حوت الموت:
*(هل أنا كنت طفلا..
أم الذي كان طفلا سواي؟) ومفردة (سواي) تعيدني الى قصيدة يقول الشاعر فيها
(عثرتُ في سيري
رأيتني...غيري/233- قصيدة : حديث خاص مع أبي موسى الأشعري)..انها اشارة للمتغير في الموقف السياسي ،اما في الطفل فتشير للمتغير الطبيعي في مراحل عمر الانسان ثم يحول الشاعر نص الصورة،الى نص شعري، فالصورة ، هي علامة ذات فحوى ومعنى،و(قد تشكل لنا مدونة بصرية نستطيع قراءتها،عبر نظام العلاقات البصرية وحدها أو بمساعدة نظام لغوي مجاور/ص25)
(هذه الصورة العائلية..
كان أبي جالسا، وأنا واقف..تتدلى يداي،
رفسة من فرس
تركت في جبيني شجاً، وعلّمت القلب أن يحترس.
أتذكر ..
سال دمي
أتذكر
مات أبي نازفاً
أتذكرهذا الطريق الى قبره
أتذكر,,
أختي الصغيرة ذات الربيعين.
لا أتذكر حتى الطريق الى قبرها
المنطمس/ص433)
1- نلاحظ ان القصيدة،تثبت الصورة الفتوغرافية،لتلقط تصورا سرديا،
فالشاعر ينبهه ثم يختزل حدثا)رفسة من فرس) ،
-2- تواصل القصيدة سيرورتها عبرنسق خماسي من الإحالة التكرارية للتذكر:
أتذكر : سال دمي
أتذكر : مات أبي
أتذكر: هذا الطريق ألى قبره
أتذكر: أختي الصغيرة
وفي النسق الخامس ينتفي التذكر:
لا أتذكر حتى الطريق الى قبرها.
*ذكورية الصورة:
في الصورة نلاحظ ثنائية الواحد:
أب/ابن
وغياب الأم .
وضمن آلية العمل الشعري فنحن امام النسق الأول الرئيس من القصيدة والذي يبدأ بـ(هل أنا كنت طفلا).
النسق الثاني ،يبدأ مع السطر الشعري التالي:
(أو كان الصبي الصغير أنا
ام ترى كان غيري)..
إنه ذات السؤال الأول ،من ناحية المعنى،مع اختلاف نسبي في الملفوظ،
في هذا النسق ،ينتقل الشاعرمن صورة /مرحلة الطفولة ، في النسق الأول الى صورة / مرحلةالصبا/في النسق الثاني.
*(أو كان الصبي الصغير أنا؟
أم ترى كان غيري؟)، ثم يبدأ الشاعر بتفكيك اتصالية الأنا/الغير،من خلال سيرورة القصيدة:
(أحدق..
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لاتنتمي الآن لي ,
والعيون التي تترقرق بالطيبة
الآن لاتنتمي لي،
صرت عني غريبا)..
أتوقف عند هذه العيّنة الشعرية،نلاحظ مايلي:
-1- ان الشاعر لايتأمل في صورته بل يحدق ،و(حدق:شدد النظر/ص162)(2 )،وخلافا لذلك يكون التأمل..فمن جرد الشاعر من سمتين تليقان به كل اللياقة:العذوبة والطيبة؟ وجعله منتبذا عنهما وأية صيرورة/مسخ ..جعلت الشاعر منكسرا...؟
🙁 صرت عني غريبا)
(ولم يتبق من السنوات الغريبة)
(إلا صدى اسمي)
أية قوة لهذه الصيرورة الشرسة،المكتوبة بالحذف من قبل الشاعر؟ ونحن بدورنا نترك الأمرلفطنة فعل القراءة..لمعرفة هوية هذه القوة التي لاتوصل إنسانية الإنسان لغير التشيؤ والاغتراب.هنا،علينا التخلي،عن أي مفهوم معياري سابق على النص،وفي الوقت ذاته،علينا الإصغاء لـ( لشهادة النص على نفسه مفهوما توليديا،وإبداعيا يتمكن القارئ به من البحث في أثر النص واستخراج المعنى الغائب/ص159/).. والملاحظ ان صدى التسمية الفردية يفعل اتصالية مع كثرة ...لها وظيفة مرآة ترى الذات فيها نفسها من خلال الكثرة/الصحبة،وسيكون التذكر هو الحاضنة :
( إلا صدى اسمي..
وأسماء من أتذكرهم –فجأة-
بين أعمدة النعي،
أولئك الغامضون : رفاق صباي
يقبلون من الصمت وجها فوجها
فيجتمع الشمل كل صباح
لكن أتنس/ص434)
*أتصالية الغياب/الحضور
في المفاصل الشعرية الثلاثة، والتي يكرر فيها الشاعرعنوانا واحدا(وجه)،نلاحظ ان الآصرة بين الثلاثة وبينه هي الحياة..المختومة بالغياب
*(فجأة مات
وانسحبت من على وجهه سنوات العذاب،)
ومن خلال الموت،تعود الحياة الى بدايتها للميت
(عاد كما طفلا..
يشاركني في سريري،وفي كسرة الخبز والتبغ)،مع فارق رئيسي
(لكنه لايشاركني..في المرارة)
لأن مرارة الشاعر :صليب لايحتمل اثنين : الشاعر وقسيم شبابه، فالصليب للأحياء لا للموتى والقصيدة لبداياتها ايضا:
(كان يسكن قلبي
وأسكن غرفته
نتقاسم نصف السرير
نصف الرغيف
ونصف اللفافة
والكتب المستعارة/ص434)
*الوجه الثاني : وجه كادح
(من أقاصي الجنوب أتى
عاملا
للبناء
كان يصعد سقالة)
من خلال سقوطه من السقالة،سيقتسم هذا صحفية الشاعر) كنت أقرأ نصف الصحيفة
والنصف أخفي به وسخ المائدة)
ثم...(لم أجد غير عينين لاتبصران
وخيط دماء)
(صار نصف الصحيفة كل الغطاء
وانا في العراء)..
تعيدني هذه القصيدة الى قصيدة..(رسوم في بهو عربي/ ص386..) فإذا كانت قصيدة (الورقة الأخيرة) توزعت بين ذاكرة الوجوه، فإن قصيدة ....بهو عربي تتوزع بين اربع لوحات عربية: لوحة دمشق وأخرى للمسجد الاقصى، وثالثة لسرحان بشارة سرحان ،واللوحة الاخيرة لسيناء.
في قصيدة (ضد مَن) يشتغل الشاعر أمل دنقل على لعبة لونية فهناك الواحد المتعدد الأبيض ونقيضه اللوني : الاسود ..ويرى الشاعر ان تعددية البياض لاتبث سوى ذلك البياض الموحش وهذا البث السالب مشروط بقسوة المكان (غرفة العمليات )..
(في غرف العمليات
كان نقاب الأطباء أبيض
لونُ المعاطف أبيض ،
تاج الحكيمات أبيض ، أردية الراهبات ،
الملاءات ،
لون الأسرة ،أربطة الشاش والقطن ،
قرص المنوم، أنبوبة المصل،
كوب اللبن ،
كل هذا يشيع بقلبي الوهن .
كل هذا البياض يذكرني بالكفن!
فلماذا إذا مت ..
يأتي المعزون متشحين
بشارات لون الحداد ؟/ 441) .. ان البياض المشروط بالمكان له مؤثرية سالبة على الذات التي رصدته.. ( كل هذا يشيع بقلبي الوهن
كل هذا البياض يذكرني بالكفن)..
ومن بياض الموت يتشقق سؤال الشاعر حول تغيّر اللون الى النقيض/ اللون الاسود
(فلماذا اذا مت ...
يأتي المعزون متشحين
بشارات لون الحداد ؟)..
والشاعر يسأل ويجيب على سؤاله :
(هل لأن السواد
هو لون النجاة من الموت ِ
لون التميمة ضد..الزمن ) والسؤال هنا لاينتهي برسم علامة الاستفهام فهو جواب على صيغة سؤال على السؤال السابق للشاعر ،ثم يسأل الشاعر ثانية ..(ضد من...؟) ويسأل ثالثة :
(ومتى القلب – في الخفقان – أطمأن؟)..ويعود الشاعرأمل دنقل الى هذه المثنوية المتعددة في اللون والناس والوجود
(بين لونين : أستقبل الاصدقاء
الذين يرون سريري قبرا
وحياتي.. دهراً
وأرى العيون العميقة ِ
لون الحقيقة
لون تراب الوطن )
أمل دنقل / الأعمال الشعرية/ مكتبة مدبولي / لايوجد تاريخ للنشر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram