اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > رحل السياب شاباًفهل بقي شعره شاباً، أما زلنا نقرأه وكيف؟

رحل السياب شاباًفهل بقي شعره شاباً، أما زلنا نقرأه وكيف؟

نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 04:24 م

عباس بيضون نعم ما زلت اقرأ السياب. اقرأه من الذاكرة واقرأه من الكتاب وارفع الصوت عاليا بـ (غريب على الخليج) و(مدينة بلا مطر) و(المعبد الغريق). في تضاعيف الحرب اللبنانية قرأت مرات أو جهرت مرات بـ (غريب على الخليج) أكان ذلك من قبيل التأسي أو الشفاء من وطنية لا ككل الوطنيات.
مكسورة وضعيفة حتى توشك أن تكون تسولا للنسمة والنعاس في حضن البيت، قرأتها قبيل الحرب العراقية حين كاد العراق يكون ثانية ذلك المحل، المعذب الذي يتيتم وييتمنا مجددا. لست سيابيا. ولم يعد في الشعر سيابيون. لم يعد فيه حاويون ولا بياتيون ولا يربح الشعر شيئا من ادونيسييه ودرويشييه وماغوطييه وقبانييه وحاجييه وبولصييه. ما هكذا نقرأ الشعر أو النثر. فهذا ليس اقتراعا عاما وتداول الشعر ونفاذه يرخصه في الغالب وإن كان واقعه بالتأكيد إلا انه ليس معيارا. لا زلت اقرأ السياب سنة بعد سنة، اقرأه لحاجة تتعدى الطرب بالشعر. الأرجح أن الشعر لا يُستدعى ليكون درسا في الفن. يستدعى ليكون أثرا فحسب أو أغنية لما ليست له أغنية. يستدعى للذة أخرى سكر النفس بنفسها وعض الحياة عليها وقرب الألم من أن يتكلم. واقتراب الأحوال من أن تغدو حقائق أو تغدو لها حقائق. اقرأ السياب بل أستعيره، إذ لا نعاود قراءة غُيّاب كالسياب إلا لغرض وإلحاح لا يُصدان. إنها حاجة نفس لأن تسيل في كلام أو عوزها الى وتر والى تكملة أو انه عنوان اتخذه لحالي حين افقد العنوان والأثر والدليل، حين لا يظهر شيء إلا تحت عنوان وعلامة. بعض الكلام مصداق للتجربة وحجة لها. بعض الكلام يقطع على المرء مجال الشك في أمر حاله وأمر مسيرته ولا يهم في النهاية غوره أو فنه، فهو لا بد سيفلت من الفن ولا يعود إليه إلا وقد غدا طبقا للحال. لعل السياب بعد 40 عاما قد تحرر من الشعر والحداثة وها بعض كلامه بين تجاربنا أو (حقائقنا). وإذ استدعيناه فلكي نتيح لمعانينا الكامنة أن تظهر. لن نعود الى قراءة (المومس العمياء) ولا (الأسلحة والأطفال، ولم اعد شخصيا الى قراءة (أنشودة المطر)، التي لم ادر وما أزال لماذا صارت علما على شعر السياب. لم ادر إلا أنها ميلودراما عاطفية وشعبية ولمام متفاوت بدون هيكل ويكاد كله يكون حشوا. كثير من شعر السياب لن يعود إليه احد وليس في هذا هجنة. ماذا يبقى من شاعر غير القليل. وحتى القليل لا يبقى إلا اقله، مع ذلك فان السياب بقي أكثر مما توقعنا. لم يكن هذا لأن الشبان الموتى يبقون جميلين كما فقدناهم كالرغبات التي لم تتحقق على حد كفافي أو على حد فاضل العزاوي في كلامه على السياب. توفي السياب شابا لكن مصائر شيلي وكيتس ونوفاليس ورامبو ليست مخطوطة على كل من مات شابا. على العكس كانت تجربة السياب غير مكتملة حتى في أعين محبيه. لم ينكر احد حاجة هذا الشعر الى قدر غير قليل من التشذيب والتصفية، اشهر دواوينه (أنشودة المطر) لا يستوي كديوان ويظل جميعا غير مهذب ولا منخول، تجربة غير مكتملة ولم تؤت أكلها وظل أمامها مدد لم يتح لها أن تبلغه. سيقول شعراء ونقاد أنها تغلي بشعر لم يتصف ولم ترقد مياهه. كثير من الشعر سائب لائب مفلت على غير هدى لا يلتم في أشكال أو معمار أو هندسة. سيقول شعراء ونقاد أنها سيولة بلا بؤرة وسيبحثون عن بوتقة للكلام وعن وحدة وعن نظام. في النهاية سيقول بعضهم انه الحظ الذي سمح لكلام كهذا أن يبقى أو أنها الأسطورة أو انه الموت شابا. ليس لي إن أجادل ما لا يخلو من صواب، شعر السياب لا يموه مطاعنه أنها حاضرة جلية كمحاسنه. ذلك أن تشعب هذا الشعر وتشعثه أحيانا ظاهران وتكويمه التصويري في أحيان جلي، وانزياحه الفالت عن ركائزه ومنطلقاته أكيد. انه شعر لا يزال بعضه فطيرا لم يختمر كما يقال ولا يزال في زخمه الجارف وفيضانه. هذا عين الصواب لكنه لا يبقى صوابا إذا علمنا أن شعر مجايليه لا يضيق بالسيولة بل هو في الغالب على سيولة فلكية لا تصدر عن مرجع، ولا تعود الى مرجع وإذا كانت هذه السيولة قد استقامت شكلا للشعر إلا أن ذلك لا يعني أن له فعلا شكلا. وان ما هو ليس سوى توزيع ورسم لا يعد حقا معمارا. وان فقدان الموضوع لا يعتبر وحدة عضوية أو غير عضوية. الأغلب أن افتقار النص السيابي الى أمور كهذه مرجعه انه لا يتحايل عليها ولا يتظاهر بأنه يتخطاها. شعر السياب موصول لذا نعرف متى انقطع انه انقطع، وشعره يصدر عن بؤرة لذا نعلم انه شت عنها حين يشت، وشعره ذو محور لذا نعلم حين يسيل انه يسيل لكن المهم أن هذا الشعر لم يخف خروقه ولا قوة ضعفه. مع ذلك فقد بقي أكثر من أشعار تصنعت الكمال وموّهت بالتسامي والإعلاء خروقها وتسيبها وتكويمها. دُفنت تجارب بلغت أشدها بل تجاوزته الى حد اجترار الذات ومضغها. بوسع النقاد أن ينفجروا بغيظهم. بقي شعر السياب ولا مانع من أن يواصلوا درسهم البائت عن الوحدة العضوية. يحتاج الشعر الى قراءة والقراءة تثبت وتحذف وتعمر وتوحد. الأرجح أن القراءة فاتت تشعث الشعر السيابي وانفلات غاربه أحيانا، بل أن شعر السياب بعد كل القراءات يخرج اصح وحده وأكثر بؤرية ومركزية من نصوص أكثر مجايليه. سيقال أن السياب لم يبتعد كثيرا عن القصيدة العمودية، لقد كان الأول والمحاولة الأولى تبقى مشوبة بما سبقها. انه تاريخ وقراءة شاعر من خلال تاريخ مفترض متصاعد للحداثة الشعرية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

كلوب بعيد عن تدريب المنتخب الأمريكي بسبب "شرط الإجازة"

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram