TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > انبثاق الشخص الحر

انبثاق الشخص الحر

نشر في: 8 يونيو, 2015: 09:01 م

(جزء ثان)
تبجيل الفكرة، وغالباً ما يكون على حساب الإنسان، لا يقتصر على محمولها الديني، أيا كان هذا الدين، وإذا ما جعلت "المقدس الديني" منطلقاً (الجزء الأول من هذا العمود) فلست ممن يوجهون سهام النقد وإعادة قراءة النص الديني (المقدس في وجوه ومناشئ وتصريحات عدة) من حيث سلطته الدينية، وحده، إنما لأن المقدس الديني يضرب أكثر من غيره في عمق ثقافتنا الاجتماعية، المكتوبة وغير المكتوبة، المدونة وما قبل المدونة، وتحكّم هذا المقدس في مجمل تجليات هذه الثقافة وتوجيهها وحراستها ضد أية محاولة عقلية جادة أو نشاط بشري يتصديان لسلطة المقدس لأنها أحد المعيقات الكبرى أمام أية وثبة بشرية نحو الانعتاق من هذه السلطة والالتفات نحو معاينة البشري، الموجود، الماثل، لأنه البيئة الجديرة بالعناية، بحثاً وإعادة ترتيب وانطلاق نحو سلطة الشخص الحر.
من يعبأ بما تطرحه الحداثة على نفسها، أولاً، وعلى مضاداتها الفكرية واللغوية، شعبوياً ونخبوياً، في الصراع الماثل، حثيثاً أو بطيئاً، ثانياً، رغم ادعاءات ثقافتنا القديمة والمعاصرة بشأن حقوق الإنسان، وتقبل الآخر والتعايش بين الأديان والمذاهب والأفكار المختلفة، بل أن فقهاءنا ومفسري نصوصنا، الإلهية والبشرية، القرآنية والحديث والشريعة (سُنية وشيعية) تحيل كل هذه المفاهيم إلى النص المقدس وأن كل ما تحقق وما يتحقق في العلم والطب ومختلف الاختراعات والاكتشافات موجودة في نصوصنا المقدسة، وهذا كذب صريح وتزوير واضح.
جاء في الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى" رواه البخاري ومسلم.
يمكن أن نضع هذا الحديث، ومثله أحاديث كثيرة، في سياقه التاريخي وعلى افتراض الحال "الثورية" التي رافقت الدعوة الإسلامية للانتقال من "الجاهلية" إلى الإسلام، غير أن المثير للعجب أن هذا الحديث حظي باستجابة الآلاف المؤلفة من الإرهابيين، عبر العالم، وفي القرن الحادي والعشرين، يؤيدهم ويسوّقهم ويدافع عنهم فقهاء ومتكلمون ورجال منابر إسلامية، عربية وغير عربية، وها هو يوضع على رايات "داعش" السود رمزاً وفي أفعالهم تطبيقاً في أجزاء واسعة من آسيا وأفريقيا!
أصوليون؟
نعم. ولكن ما المقصود بالأصول؟
الأصول هي جملة النصوص والمدونات الرسمية، المعتمدة، وفي الصميم منها كتب التاريخ والرواية والتفسير التي أسست للمقدس غير القابل للجدل والفحص والنقاش، وتمثلت بالطبري والبخاري والشافعي ومسلم والكليني والطوسي، رغم ما نشأ بينهم من منافسات وصراعات أملتها "سلطة المقدس".
أسهمت الثقافة الاجتماعية السائدة بتكريس المقدس لا عن علم حتى بتلك الأصول، كما "صنعتها" النخبة المثقفة التي رافقت الدعوة أو تلك التي استمرت بعدها، حتى يومنا، بل ثمة مشكل عويص يتمثل بالعامة من المؤمنين الذين يستظهرون النص ببغاوياً ويرددونه بلغة عمياء وبطريقة انتقائية تستجيب للعابر والراهن والمجتزأ.
إن أجمل ما في تراثنا الإسلامي، بشأن الحقوق العامة والتسامح واحترام الإنسان، جرى ويجري تشويهه بشكل جنوني في حياتنا المعاصرة، ممثلاً بالظاهرة الإرهابية التي بدأت من حيث فشل "الإخوان المسلمون" في تحقيق "الإسلام هو الحل" لينشأ بدلاً منه "جئناكم بالذبح" والتفجير والتهجير ونكاح الجهاد وسبي غير المؤمنات بفكر "داعش" وأخوته العلنيين والسريين، في أجهزة الدولة وفي صحارى الربع الخالي. على أن "داعش" ليس صناعة فردية بل جهود فكرية وسياسية وعنفية جماعية اعتمدت على، وانطلقت من، صلب المقدس، المعصوم، الممنوع على التفكير والتقصي العلميين، وهي ظاهرة إسلامية بالطبع تعيد انتاج الفكرة بما يؤدي إلى الاستحواذ على السلطة والنفوذ بموجب بزنس ديني يسوّق بقوة السلاح والفكرة المقدسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram