rnهشام بن الشاويالمتابع لتجربة الفنان الشاب فتحي عبد الوهاب سيلاحظ اختلافه عن مجايليه، بأدائه المتميز، واختياره أدواره بعناية، دون أن ينزلق إلى المشاركة في الأفلام التجارية لمجرد التواجد في كل موسم سينمائي وتجسيد أدوار البطولة المطلقة.rnrn rn
في فيلمه الأخير "عصافير النيل"، والمأخوذ عن رواية للقاص والروائي المصري إبراهيم أصلان، يجسد دور الفلاح الوافد إلى المدينة، حيث "صدمة المدينة "، إن صح هذا التعبير، وهو الدور نفسه الذي شخصه من قبل في فيلم "فرحان ملازم آدم" للسيناريست الراحل محسن زايد، لكن المعالجتين تختلفان بالتأكيد، مثلما تختلف الرؤية الفنية والجمالية في العملين.تتمحور أحداث الفيلم حول عائلة بمنطقة إمبابة الشعبية فى ثمانينيات القرن الماضي، حيث شهدت مصر تصاعد التيار الديني، ويجسد فتحى عبدالوهاب شخصية "عبدالرحيم"، الشاب الريفي الوافد إلى المدينة، الذي يعيش مع شقيقته "نرجس" (دلال عبدالعزيز) وزوجها "البهي" (محمود الجندي)، وسيعمل موظفا في ساعي البريد بالقاهرة، وهي- للإشارة- نفس مهنة أصلان، وبفضل دوره في "عصافير النيل" توّج فتحي عبدالوهاب بجائزة أفضل ممثل مناصفة مع الممثل الهندي سوبرات دوتا بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، في طبعته الأخيرة.يبدأ الفيلم بمشهد بلقاء "عبدالرحيم" (فتحى عبدالوهاب) بحبيبته القديمة وجارة شقيقته "بسيمة" (عبير صبري)، بعد سنوات من الفراق، يلتقيان في مستشفى، وكلاهما يعاني من السرطان، افترقا بعد أن حامت حولها شكوك الجيران في سلوكها، وصدق عبدالرحيم تلك الأقاويل، فاختارت الانسحاب من حياته، بصمت. يتذكران معا بداية تعارفهما، فنرى عبدالرحيم يصطاد السمك بالنيل، لكن سنارته تظفر بعصفور، فيجري إلى قسم الشرطة لإخبارهم، ويتم اعتقاله وتعذيبه، ويشك الضباط فى سلامة قواه العقلية.ومن الشخصيات اللافتة بالفيلم "عبدالله" ابن شقيقة (أحمد مجدي)، الفتى اليساري المتمرد على واقعه، الحالم بالتغيير، و"نرجس" (دلال عبدالعزيز) التي تبهر المشاهد بأدائها المرهف، المرأة التي تكره الظلام، وأجمل مشاهدها ذلك الذي جمعها مع زوجها "البهي"(محمود الجندي)، وتطلب منه أن يترك مصباحا مضاءً لمدة أسبوع في قبرها-عندما تموت- حتى تعتاد على الظلام الذي تخاف منه...كتب الفيلم وأخرجه مجدي أحمد علي، المخرج الذي ينحت – وفي صمت- تجربته السينمائية المتفردة، بعيدا عن موجة أفلام المقاولات وشباك التذاكر، ومن دون إثارة الانتباه دائما بـ"الفرقعات الإعلامية" كما يفعل أحدهم... قدم صاحب "يا دنيا يا غرامي"، "أسرار البنات"، "خلطة فوزية" في هذا الفيلم- وبرؤية شاعرية- حالات إنسانية شديدة الفرادة.. شخصيات مقبلة على الحياة رغم كل إكراهاتها وبرغم كل الانكسارات، من خلال سرد فيلموغرافي أقرب إلى السرد الروائي.. مكسرا خطية السرد وتصاعديته.. بتعدد الأصوات والانتقالات الزمكانية، إضافة إلى صوت الراوي العليم، وهو أحد شخصيات الفيلم، وليس مجرد معلق على الأحداث كما قد نصادف في أعمال أخرى. "عصافير النيل" فيلم ينتصر للهوامش البشرية.. لمن يعيشون على حافة الحياة، ومع ذلك فهم يقبلون على الحياة بنهم وفرح، حتى لو كانوا مثل عصافير جريحة لا تستطيع أن تحلق... إنها المدينة التي تسحق البراءة الريفية البكر.
فيلم "عصافير النيل" ينتصر لمن يعيشون على حافة الحياة
نشر في: 30 ديسمبر, 2009: 04:56 م