TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > التمثيل وراهنية الواقع

التمثيل وراهنية الواقع

نشر في: 13 يونيو, 2015: 12:01 ص

تداعى الكثير من التمثيلات وأشكال التعبير وصيغها المرئية واللفظية في تعيين صورة الواقع وتفسيره عبر الأعمال الفنية والأدبية والطروحات الفكرية، مثل الواقعية، والواقعية الاشتراكية، والواقعية الجديدة، والواقعية السحرية، والواقعية النقدية، وإلى حين بوادر ا

تداعى الكثير من التمثيلات وأشكال التعبير وصيغها المرئية واللفظية في تعيين صورة الواقع وتفسيره عبر الأعمال الفنية والأدبية والطروحات الفكرية، مثل الواقعية، والواقعية الاشتراكية، والواقعية الجديدة، والواقعية السحرية، والواقعية النقدية، وإلى حين بوادر التخلي عنه منذ تسعينيات القرن المنصرم، أو نحوه ومع إطلاق الشبكة العنكبوتية وتطور الوسائطيات. إذ لم يعد الخيال الإبداعي للأدب والفن يطالب الواقع كثيرا بإجراءات التعبير عنه، بل صارت دراسات النقد الثقافي هي من تدركه وتفسرّه وتعيّنه عبر اصطلاحات ومفاهيم تثير النقاش والجدل والحوار. ثمة قراءات تتحدث عن واقع مافوق واقعي أو واقع افتراضي أو واقع مابعدي أو واقع فائق وغير ذلك.
تركة معرفية ومرجعية غدت تتعرض الى قدر من الإزاحة والاجتهاد وإعادة التفكير واقتراح تمثيلها من جديد. ليس من أسباب هذا التحول اعتبار تعريف الواقع وتفسيره بات تقليديا أو ينتمي لزمن سابق، بل لأن المجتمع الإنساني صار يحيا حقبة تاريخية جديدة ومختلفة افترضت واقعا جديدا ومغايرا. هي بمثابة تحوّل حضاري ممهور بالتقانة الدقيقة، وواجهته العالم الوسائطي والافتراضي، وتمثيلات مبتكرة تكاد ان تكون سلوكا في الحياة اليومية، تظهر تجلياتها في الاستهلاك، والإشهار، والصورة، والوسائط الإلكترونية.
ثمة من يدّعي من المفكرين والمثقفين أن طبيعة المعرفة الآن بدواعيها ودوافعها، مختلفة تماما عن تلك التي نشأت منذ عصر الإغريق، مرورا بالعصر العربي الإسلامي الوسيط، حتى منتصف القرن المنصرم. ان مفهومي "المعاصرة " و " المابعدية "، كأحد أكثر المفاهيم تداولا اليوم، تضعنا أمام سياقات نظر وتفكّر غير مسبوقة من قبل، في العلم والفكر كما في الادب والفن على حد سواء.
واصبحت عبارة " الواقع المعاصر" هي الاجدى في دلالتها لتحديد الراهنية التي تميّز فكرة هذا الواقع وطبيعة تمثيلنا له، والتي تطل من صفحات التواصل الاجتماعي على الانترنت، كما تظهر في الصورة الافتراضية على اجهزة الاتصال الذكية، وتنكشف عبرالاشهار في الفضائيات، وحتى في الاستهلاك المتحقق في الفضاء المديني. ليس تلك صفات ونعوت بل حقائق وأفعال غدت تشّكل زمنيته وبداهته معا.
اتسع الواقع وتنوعت الرؤية عنه، وصار على مرأى من الإنسان في حقيقة وحضور فعلي مختلفين. هو ليس ذلك الكيان الثابت والصلب والمحسوس ذا الطبيعة التأسيسية، بل انتقل الى حضور يكتنفه التحوّل والخفة والاثيرية، كما لايمكن الإمساك به وتلمسه. ويكاد ان يبتعد عن كونه موضوعاً إنسانيا حتى غدا يقترب الى كونه نتاجاً للتقانة ومشهداً عنها. و بعدما أصبحنا نحاول التعرّف على هذا الواقع لا نجده ينطوي على وجوده الحقيقي السابق والمعهود، وانما على راهن عابر نتوسمه عبر الشاشات الافتراضية. فالعلاقة معه أصبحت تمضي بطريقة بديلة، هي غير محسوسة لكنها متوقعة ! ما ان تحضر صورته حتى تغيب، وبانتظار ما سيأتي بعدها. مثل هذه الظرفية ستلازمه كي لايمكن الامساك به وتعينه جراء حراك غير متناه تمارسه المجتمعات المعاصرة .
صورة الواقع المعاصر الآن غير ثابتة، هي متقدمة باطراد، ومتحولة، ولاتستدعي سوى الانتقال والتغيير من حال الى حال. حتى ان فعل التراكم الذي كان ينضوي هذا الواقع ، والذي كان لوقت قريب اشبه مايكون بإجراء تصان به الخبرة والوجود الحاضر لم يعد ممكنا الابقاء عليه. لقد أصبح الواقع ظرفيا بامتياز، و تمثيلاته في الادب والفكر كما في الفن، باتت معنية بحضورها الآني، ومن دون تفاوض يذكر على تاريخ بقائها. ان المعنى فيه لم يعد مهتما تماما بالبقاء، قدر اهتمامه بطريقة ظهوره وتمثيله عبر الاستهلاك، والإشهار، والموضة، وما هو افتراضي، ومن أجل غاية متجاوزة باضطراد. إن مثل هذه التمثيلات ستكون أبعد من ان تعبّر عن الحقيقة. في ثلاثينيات القرن المنصرم، كتب المفكر الالماني والتر بنيامين " 1892-1940" مقالة تأسيسية، عدت احد مراجع الفكر الحداثي. كان عنوانها " العمل الفني في زمن الاستنساخ الآلي " . تكمن أهمية هذه المقالة في كونها قد أضاءت خبرة، بدا خلالها تمثيل صورة الواقع الحديث قائماً على الاستنساخ. اي ثمة صورة تستنسخ الاصل ولكنها تبقى متداولة بوصفها نموذجا من نوع مختلف. ذلك يعني ان فكرة الاصل باعتباره كيانا مغلقا على بنيته وحدوده، ومكتفيا بحضوره الفريد ووجوده النوعي ومداه التاريخي، لقد تعرّض الى اعادة انتاج، بطريقة يتضاءل فيها الفرق بين الاصل والاستنساخ. كما حصل في الصورة الفوتوغرافية والسينما والعمل الفني الطباعي.
ثمة تقنية قد بدأت على تقليد النموذج الاصيل، وهي تنطوي على امكانية جمالية جديدة، وتحمل أيضا سياقات ودلالات مختلفة قد تطول ذلك المثال. بذلك دشن العصر الحداثي شكلا جديدا من الإدراك الانساني، القائم على الاهتمام النوعي بالتحوّل الذي اصاب المشهد الثابت وانتقاله الى مشهدية متعددة.
لكن ما يتداعى في العصر الوسائطي اليوم، من تمثيلات هي أشد تعقيدا من ذلك، لم تعد فكرة الاستنساخ عن الاصل صالحة تماما في توصيف مايحصل أو معالجة تفسيره وفهمه. تذكر الناقدة والاكاديمية لندا هتشيون في كتابها سياسة ما بعد الحداثة، المنظمة العربية للترجمة، " ان عصرنا ، عصر الاقمار الصناعية والحواسيب، قد تعدى بكثير عصر بنيامين، عصر إعادة الانتاج الميكانيكة ونتائجها الفلسفية والفنية" بأفكاره المتعلقة بالاصالة والموثوقية والفرادة.
فالصورة الوسائطية وتمثيلات العالم الافتراضي هي من نشأ واقعها وحقلها ومجالها الواقعي. صورة الواقع الآن وتمثيلاته غير معنية تماما بالمقارنة بين النموذج والاصل. هي نماذج في ذاتها ، وخاقة لمرجعها، ولكنها من نوع مختلف، يبقى امتيازها في تبدلها وعدم بقائها. صورة الواقع المعاصرالآن هي ليست تعبيرا عن مثول بل اطلالة على رحيل وتحول دائم وكأنها توصيف لمهمة لاتنتهي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram