4
الخجول الناعمةاختفت الحجرةُ الطينوالارض يابسةُ الغضون مُتشقّقةٌ من عطشومنظر الملح يمتصّ آخرَ قطراتِ النسغ في الاشجار فلم يبقَ الا ان تشتعل.لن اعود الى ذاك الذي كنتُه يوماً.فقد اعطيتِني القدرةَ على رؤية ما يريدُ العالم من زمنٍ ان يراه،واعطي
4
الخجول الناعمة
اختفت الحجرةُ الطين
والارض يابسةُ الغضون مُتشقّقةٌ من عطش
ومنظر الملح يمتصّ آخرَ قطراتِ النسغ في الاشجار
فلم يبقَ الا ان تشتعل.
لن اعود الى ذاك الذي كنتُه يوماً.
فقد اعطيتِني القدرةَ على رؤية ما يريدُ العالم
من زمنٍ ان يراه،
واعطيتِني القدرةَ لان استبعِدَ مراتٍ
اللحظاتِ الخجولاتِ تقفز امامي وتختفي
مثل شذراتِ النجوم.
هاهي التي كنتُ ألتقيها شاباً مطارَداً
التقيها في الممرّ الظليل
ينسدل شعرُها الاسودُ على قامةٍ
ألِفَتْ العيشَ بين الاشجار الجبلية.
أحتملُ ما كان
خساراتٌ كثيرةٌ مرّتْ.
لكن اين هي الان؟
لو اعرف، لو اعرف لا اكثر!
انا الذي اجلس وحدي الان،
تحرك الشارعُ أمامي مثلَ كومةِ غيم،
مثل موجٍ مشوبٍ بأسوأ الاخبار.
استريح الى المستقبل، الى الآمال
التي كنت أُطعِمُها من قوت نهاراتي،
وها أنا أتنفس، حسنا استريح،
حسنا أنا أنعمُ بسعادة الحياة التي لم تكن.
وهي تلك امامي، التي رسمتْ خطَّ الافراح المهاجرة،
توقفت في حياتي مثل طائرٍ بري،
هذي المخلوقةُ من همٍّ قليل وانواع سعادات..
ابتساماتُها مختزَلة قليلاً
ومباهجها تمرُّ على خفَرها.
هي تزدان بالسكينة الملكية،
بالنضارة التي افتقدناها،
بالحنان بقيتُ كلَّ حياتي محتاجاً اليه.
هذه الخجول الناعمة مثيرةُ الفرح والغرائز
لا تدري متى، في أي لحظةٍ من الكلام،
يزدحم فيها الحبُّ فيكسر خطَّ المنع فيكَ
فيهيل هذيانٌ، اشعارٌ قديمة، صيحاتٌ وعنفُ عناقات.
صنعتَهْا الحياة وربما ندمتْ، فقد اربكتْ انظمتَها السائدة.
مرةً انبثقت مثل وردة تسلّلتْ من شَرَك،
مثل هِبَةٍ، استقبلَتْكَ،
مثل انكشاف حياة.
شبابها لم يرتوِ، شبابُها نبيلٌ عَطِش
وذراعاها ثريتان مترعتان بمتع حبيسة
في الفرصة الوحيدة التي فلتت من الازمنة،
تقاسمتُ معها عناقاً كلٌّ يريد المزيدَ منه،
كان العالم يشتعلُ حولنا
ونحن نتصايح مثل طيورٍ جُنَّتْ
كان المكانُ ضيّقاً بنا، تجاوزناه، خارجَ العالم صرنا!
كم يقسو الفقرُ على الهواء وعلى الانسانِ
وعلى الطريقِ والحجارةِ والماء؟
أُتابع ذلك الذي خرج يتمشى، فاقدا عملَهُ،
يسير بحزن، ايضا بنوعٍ من عدم الاستغراب،
بنوع جديد من اللامبالاة، الكراهةُ تنمو،
وهو مشمئزٌ من الحالِ كلها.
وهذا الذي كوَّمَ حولي زعيقاً وادّعاءات.
يخدعنا انه يكتب شعراً وهو يتعاطى
الشحاذةَ من زمن بالكلمات السفيهة.
قَدْرَ ما احترمُ، ما أُحبُّ الاولَ الذي اختفى،
أمقتُ هذا المتحذلقَ، كلبَ السادة،
سيجد فرصةً ليلقي بياناً وكأنه صديق حميم للحرية !
أقول، للكَذَبة، لكتّاب الدعارة، ولسماسرة المكاتب،
بسببكم كرهتْ الحياةُ نفسَها!
ارواحُكم مضروبةٌ بالحذاء على رؤوسها
وانتم تهرّجون بأعلى اصواتكم المنافقة،
لتنتهوا في المساء بؤساء تتظاهرون بالضحك.
بسببكم تكرهُ الحياةُ نفسَها!
تمشي مبتسمةً
بالرغم من قساوةِ الحياة وقساوة المواسمِ وقساوةِ الحكام،
ورغم سوءِ وجلافةِ الاتباع المسلّحين،
فقد كنا طيبين ولا تريد ارواحُنا الشرَّ لنا ولا لهم.
ما كنا نريد ان يُقْسا على أحد.
المحبةُ وردتُها واضحةٌ في الحديقة
ومنظر الحقول يهَبُ محبةً ويدعو الى
سلامة الأكفّ والكلمات.
الشِعْرُ لا يفارقنا
دائما ما يُحضِرَ الشفَقَ ليفصلَ شفيفاً
بين الاستياء الهائج والصرخة.
يوماً كنتُ انظر الى حفلٍ تتلألأ بين ناسهِ الاضواءُ.
كان الراقصون يبوحون بحبٍّ وينفضون في الرقص
ما علِقَ بارواحهم سنين.
رأيتُ آخرين منهم يغيبون وحبيباتهم في الموسيقى.
علمت ان هناك افراحاً لا نعرفها،
وهناك لا يظل الجمالُ خفيّاً،
وامنياتُ اللقاءِ تتحقق وتريد ان تظلَّ أبداً
لكن انتهاء الموسيقى ينبّهُ الجميعَ
بان العودةِ للارض حانتْ
و أننا سنعود فريقين مختلفين!
بلاغات الحب الاولى
يأتي الحبُّ رائقاً، لذيذاً خافتَ الحياءِ
لمعتُه تتردّد قبل ان توقظك، مهذبةٌ هي... ثم يلامسك كأنْ لا يدري
وفي لحظة يقّبلك يهيل القبلاتِ على المستقبل.
احدٌ ما، تلك اللحظات،
كان يحث الهدايا، يعجّلُها. ثم رعشةُ ضوءٍ تُسقِطُ كلَّ الظلمات.
هكذا ابتدأَ السفر، او هكذا وصلتُ. كان اللقاءُ كما مصادفةً.
كان كما رُسِمَ بحذر وتحت رقابة.
الافكارُ التي اضطربت بيننا
صارت طيوراً سمعتُ خفْقَها حين غابت.
هي الجريئةُ، التي بادرت بالخطاب. وقد غزاها شحوبُ فجر قديم.
واختفى لحظتَها كل شئ الا القُ عينيها الصافيتين
وذلك البرق الذي عادةً يسكن السهول.
لم تجد الطيور مأوى.
ظلت تحوم ثم عادت مرةً اخرى تدورُ دورةً اخيرة،
أثارَها عجب ما، فاطلقتْ صيحاتٍ وعادت.
علمتُ باشتعال النار وان القصة بدأت.
هذه المشاعر التي نريدها ونخشاها، كلها اخفت عنا سراً،
انها ستعيش بعدنا. ستظل ترافق الخبز والوسادة والوردة.
في صباح الجرأة ذاك، في اوج نسويتِكِ الباذخة،
في حركاتك التي ستنتصر،
اختلط الحبُ في طعامنا والكلمات.
ومر بي دفقٌ ذهبي وانتباهٌ لـصحارى بعيدة
أعطاني ذخيرةً للكتابة ولمخاطبة المستقبل بشجاعةِ فارسٍ نبيل.
لم تكوني مدهشةً بحدود الدهشة، كنتِ طاقةَ خَلْقٍ.
فالعشبُ ليس هو والشارع ليس ذاك وانا تغيرتُ.
وعيناكِ، و فمُكِ، و حركة يديك والهمس السرّي الناعم بالكاد يُسمع
كشفت العوالمَ العجيبة التي صرت اتحدث عنها
وأرتني بلاغاتِ الحب الاولى.
انتِ تأخذين كل الاستيقاظات من زوايا العالم لتجيئي بها قريباً مني
فأرى الكشفَ مكتملاً والحبَّ وسطَهُ يشتعل
ويدَكِ بادرتْ تُعلِّمُ الصمتَ النطقَ وتشير الى الطريق مكشوفاً...،
كنتِ لحظتَها تبتسمين.
انا، كنتُ احس القرب من الحياة اول مرة
وكأنكِ عرفتِ الحبَّ كلَّه واخترتِ أجملَ لحظاته،
جمالُكِ يليق بالحب الخالد، يليقُ بالمعجزة.....
الواضحة في الزحام
كم انا سعيد بهِبات الحياة لمن تصطفيهم، لمن تثقُ بهم،
ولمن تستودعهم أسرارَها.
انت واحدة متفردة بضحكتكِ الوديعة، بوردةِ الرغبة،
وبالنظرة كومضةٍ ملونة، واحدة ممن تفرح الحياةُ بحركاتها،
هي تحبكِ حدَّ الغيرةِ.
تملكين اللمْحَ الكاشفَ والفعلَ الكاملَ بكلمة
وقدرتك فائقةٌ على اشعال النار في ثلوج عالمي وهياج افكاري.
هي صفاتك، ياسليلة الانوار البعيدة، ايتها الواضحة في الزحام
وذات الضوء العذب والإثارةِ القاتلةِ من لذة!
تساميتِ، فانا ارفع رأسي، انظر اليك كما لأُعجوبة.
حضوركِ جعلنا نفرز الازمنةَ المبتذلةَ عن جوهر الالهة.
وفيك، معك، وجدتُ من استطيع معها ان اصل الجرأةَ بالكرامة
والكبرياءَ بالجمال والحياةَ النظيفة بابنائها
وان نبدأ الانشاد من أجل الابواب المضاءة
والحلم الذي يلوح في السحب،
والحياةِ الفاضلة التي تَشوَّقْنا لرؤيتها
ومات من حبها عشاقٌ عظام كثيرون.
ربما كانوا افضلَ الرجال واكثرهم صمتا،
شجاعتهم الخارقة كانت مفاجأةَ الجميع.
الحياة تدَّخِرُ للازمنةِ السيئة امانات
وتحتفظ دائماً بما يوقفُ القبحَ عند حدّهِ
وما يقول للبشر الضائعين في الغبار والمناقع:
هذا جمالٌ ما يزال سالماً لم يركب السفينة لكن نجا من الطوفان.
للبهاء الالهي معجزات.
وفي كل الطرق المهجورة تمر حياةٌ متخفّية من الرداءات المعمِّرة،
لتوقظ السهولَ الجبلية. بزهراتٍ من نار
تزحزح الليلَ من مجاثمه الصخرية
وتطرده عن المدينة وراء التلال.
حين تصلين، تصير الارض جديدة
ومن لمحاتكِ القليلة، الحريريةِ الخافتة،
يشيع الحب في الشحوب والزهرُ الجبلي في النسيان
وأنا تفرُّ روحي العطشى لترتوي،
وتوقفينني لأظل في افيائك التي
تهدأ فيها النجوم والحمام.
جمالكِ جمالُ الحياة لا يُرى الا صدفةً،
الا حين تفتح الالهةُ النافذةَ من اعلى فتهلَّ البركات.
انا رأيتُهُ. لا تطاليبيني بالصحوِ بعد الآن!
وجهك اغتصبَ الملل.
والزورقُ العتيقُ المهجورُ
تذّكرَ شراعَه والماءُ صافياً يمتد حتى الافق:
وجهُك دائماً ينشر بشرى للذين ينتظرون....