اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حلول استثنائية ومسألة بصراوية

حلول استثنائية ومسألة بصراوية

نشر في: 13 يونيو, 2015: 09:01 م

الجسد العليل يصعب ان يتذوق اللذة الطبيعية ويصعب ان يقوم بالافعال الاعتيادية، وحين يصاب بالزكام فيصعب ايضا ان يتلقى علاجا اعتياديا. اذ تتناقض العلل وتتعارض العقاقير ويتصادم الحار بالبارد، والبارد بالحار، فيختل كل شيء ويتطلب الانقاذ حلولا غير اعتيادية، ترعب المريض واهله احيانا.
وفي العراق ينبغي للمريض واهله ان يقتنعوا بان تفاقم السوء سببه انهم كانوا رافضين للحلول غير الاعتيادية، ويعتقدون ان مرضهم عادي رتيب يسهل علاجه، ولذلك تفاقم سوء الفهم واخذنا مدة طويلة في التجريب والاختبار وسال دم كثير ومر وقت طويل، وامتنعت التنازلات الكبرى الهامة.
وفي هذه اللحظة هناك من تعلم الدرس ويريد تصحيح العلاج وتقبل خيارات غير تقليدية تنتهي بدرجة من الصلح وتخفيف الاحتقان وحصر قضايا النزاع كي لا تستفحل اكثر مما هي مستفحلة. لكن الخبر السيء ان "فصيلة" جديدة من المؤثرين في صناعة القرار، بدأت تتورط في السياسة لتوها، وهي لا تحترم من سبقها لتتعلم منه، ولا تثق بمن ساندها لتأخذ المشورة عنه. وهذه "الفصيلة" مؤثرة في كل الطوائف، وتجمعها اوصاف من قبيل عدم الايمان بجدوى السياسة، والمبالغة فيما يمكن للسيوف ان تصنع، وعدم الايمان بجدوى انشاء تحالفات جديدة مع الدنيا بمنطق المصالح المعاصر، وهذه الصفات ليست شتيمة لاحد، فمعظم الحركات السياسية والثورية في منطقتنا مرت بهذه "الطفولة"، لكن من غير المعقول ان نجتاز هذه المرحلة ثم نعود لنرتكس فيها بسبب ظهور طبقة جديدة من الشباب "المؤثرين بسيوفهم" والذين يرفضون ادراك اهمية السياسة ويرفضون تقبل العلاج غير الاعتيادي لجسد العراق العليل، مع انهم سيعضون اصابع الندم فيما بعد، كما حصل مع كل التيارات التي غادرت "الطفولة السياسية" بعد ان خاضت في بحار من الدم، وتسببت احيانا في خراب مدن وبلدان، وادركت اهمية الصلح متاخرا. ولم يكن صدام حسين سوى خريج لمدرسة الانفعال والارتجال والتسرع هذه.
هذا بشأن العراق بعامة. لكن علي ان ادلي بشيء حول اضطرابات البصرة. ولن اتطرق الى تفاصيل، ولن انحاز لفريق ضد اخر. ان البصرة تحتاج حوارا سياسيا بعيار كامل تنخرط فيه الفعاليات المحلية مع الاحزاب الكبرى في البلاد. ان ما يحصل في مينائنا ومدينتنا التاريخية ومركز صناعتنا النفطية، ليس مجرد مظاهرات عابرة ضد المحافظ الدكتور ماجد النصراوي، وليس مجرد تباين اراء حول مشروع اعلان الاقليم، ولا هو غضب ثانوي يمكن ان يجري استغلاله، بل هو شهادة على وجود وضع غير طبيعي جدا هناك، هو نتيجة فهم ناقص لدور البصرة السياسي. واذا لم تمتلك هذه المدينة دورا سياسيا معرفا بوضوح فستبقى مرجلا يغلي بثرواته المبددة وفرصه المضيعة وتاريخ من المجد لم يحظ بالاهتمام المطلوب. وكل هذه عوامل تمرد وثورة وانقسام وانفصال، يمكن ان تشتغل سواء كان اداء المحافظ جيدا ام سيئا. لان مشكلة البصرة لا تتعلق بالخدمات ولا بالماء المالح ولا بتزايد سكانها بسبب هجرة غير منظمة، بل بوجود طاقة روحية كبيرة وثقة بالنفس متصاعدة، وزيادة في الرغبة بالمشاركة السياسية، تنمو مع صعود اجيال جديدة من الشباب، يقابلها عدم تفهم لهذه التحولات وعدم منح المدينة حقوقها السياسية الدستورية وصلاحياتها الاقتصادية، وعدم تصديق ان البصرة مشكلة خاصة بمعنى الكلمة، شكلتها خصوصيتها الجغرافية والاقتصادية والثقافية التي تجعلها مشكلة اعقد من غيرها، تتطلب فهما لم يتوفر حتى الان.
ان الحفاظ على البصرة يبدأ بتصحيح تصوراتنا حولها. والمزيد من فهم البصرة سيعني فهما افضل للعراق بأسره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram