TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بدعة السعادة

بدعة السعادة

نشر في: 15 يونيو, 2015: 09:01 م

في صباي كانت لي هوايات كثيرة، من بينها البحث عن الحزن، كنت اذهب إلى شارع السعدون حيث الأرصفة مفروشة بالكتب، اشتري آلام فارتر لغوته وانتظر أن تكتمل أجزاء بؤساء فكتور هيجو، ادخل السينما وأنا افتح فمي فاغرا انظر إلى وجه فريد الأطرش الباكي، كنت واحداً من كثيرين يذهبون إلى الحياة بحثا عن الأحزان، كنا حزانى بلا سبب، متشائمين، نقرأ الكتب التي تمجد الحزن، وحين صدر ديوان "الفرح ليس مهنتي" لمحمد الماغوط تلقفته وحفظته عن ظهر قلب وأخذت اردد أشعاره في وجه كل من يسألني لماذا أنت حزين؟..
الحزن والكآبة والتعود على طقوسهما، موضوع كتاب بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف يقول لك: نستيقظ على الذعر الذي يملأ العالم، بدءا من الحروب المنتشرة في جميع أطراف الكرة الأرضية وانتهاء بالفتحات في طبقة الأوزون، الأسلحة النووية التي تنتشر في جميع قارات العالم، الإنسان المهدد بالانقراض بواسطة الحروب والأمراض.
المؤلف يقول، "الحزن منبع الإبداع، ومصدر كثير من الفنون والشعر والموسيقى العظيمة. كافكا، تينيسي وليامز، وفلويبر وايضا ستندال، جميعهم كانوا كئيبين".
تذكرت كتاب صاحبنا وأنا أشاهد مظاهر الحزن التي يحاول سياسيونا إحياءها وتعميمها عبر ممارسات تعيد العراق إلى زمن العصور الوسطى فالموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، والغناء رجس من عمل الشيطان، والفرح مهنة أصحاب الدنيا ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الحياة الآخرة، زينة المرأة غواية، الضحك طريق إلى جهنم.
سياسيون يفرضون من خلال عملهم كثيرا من الكآبة على الحياة الاجتماعية معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات والميليشيات وفرق الموت والعلاسة والحواسم وأمراء الحرب الطائفية والسياسيين المأجورين وكل هؤلاء يتبارون في كيفية ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.
كم ضاع من زمن على هذا الشعب الذي يريدون له أن يظل بائسا خانعا خائفا ذليلا تحت أقدام الساسة، وان يجرَّد من إرادته وخياراته.. كم ضاع من أعمارنا في ظل حكومة وبرلمان صوروا للناس أن الفرح والسعادة، انما هي خروج على سلطة الدِّين وإرادة "القائد المنقذ"، وأن الضحك والفرح "اختراع امبريالي" بدليل ان العميل الاممي بان كي مون قرر ان يجعل من هذا اليوم عيدا للسعادة؟!
يتشابه البؤس مع الخراب، وتختلف أرقام وأحجام خسائر الوطن والمواطن، فيما الناس تدفع ثمن ما تجمّع عليها من دراويش وروزخونية ارتدوا زي الساسة، خطفوا كل شيء، المال والقانون، والرفاهية، والأمل. تجمَّعوا وخرجوا في خطاب كريه، ففي اللحظة التي يخرج فيها العالم كل يوم إلى السعادة والعدالة الاجتماعية والمستقبل... يصر" زعاطيط السياسة " على بناء سواتر تمنع الفرح عن الناس، الم يحذرنا عباس البياتي يوما من معصية الاحتفال بعيد الحب، لانه بدعة وكل بدعة ظلالة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    روعة مقالك يا علي حسين صح كلامك . فقط ملاحظة صغيرة عندما تذكر هؤلاء المعوقين مرتزقة مافيات النفط والغاز العلاسة والحواسم اللصوص المأجورين المقبورون في زريبة محمية مالكي بابا واربعون الف حوسمي حرامي ( المنطقة الخضراء العوراء) لا تقول عنهم سياسيين لانهم لي

  2. حنا السكران

    اعتقدت دوما ان السعادة في اضرابي عن سماع اخبار. العراق ... تمر فترة واعود للحزن واقرأ مقالاتك من اخر اضراب حتى اخر دمعة اخر شهقة اخر تنهيدة اخر ضربة كف بكف هذه اغلب ردود الافعال لاخبار العراق

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram