تقدم لنا اللوحات الخاصة بالفنان وضاح الورد قواسم مشتركة يدركها المتلقي منذ الوهلة الأولى وهي خاصة بمشتركات اللوحة /الواقع . وهذا السياق الظاهري والعميق لا ينصب في رسوماته الواقعية فحسب بل حتى تلك التي ينبهنا إليها من خلال العمل التجريدي وأسلوبه (الهن
تقدم لنا اللوحات الخاصة بالفنان وضاح الورد قواسم مشتركة يدركها المتلقي منذ الوهلة الأولى وهي خاصة بمشتركات اللوحة /الواقع . وهذا السياق الظاهري والعميق لا ينصب في رسوماته الواقعية فحسب بل حتى تلك التي ينبهنا إليها من خلال العمل التجريدي وأسلوبه (الهندسي الصرف )الذي نجح في بث منظومته المعرفية والشكلية من خلال أبعاد رسالة الموضوع وأتحفتنا اشتغالاته بإيقاع تداخلي قل نظيره حينما يسمي لنا العمل بمسميات تجريد بغداد ويكرر (البغداديات ) في الرسم الواقعي والتجريدي واعتقد أن التلامس والتجانس الروحي بين المدينة من جهة وذاته هي من قواسم وروابط الصلة الروحية بين المكان والإنسان فعن طريق الرسم يؤسس نوعا من الاعتراف بالمكانية التي تنغمر فيها فردانيته وهواجسه الإنسانية ولعل التعامل المقدم من قبله في أسس اللوحة وطبيعة دلالتها أملت عليه نوعا من التأكيد على تقديم كل ما من شأنه أن يقرب البعد الجمالي ويبعد شوائب القبح عن سطوحه واستلهامها الفني . ومن هنا أجد طبيعة التزاوج بين حركة الواقع ومعادل بث شفرات اللوحة له لم تكن استنساخا أو محاكاة ، هناك بحث أصولي لم يستغن عنه (الورد) حينما يشرع بلوحاته نحو مقاربة البيئة البغدادية .لقد وسع من رقعة خياله من خلال شغفه بالمحلية وخاصة التي تتغنى بالطبيعة والجمال وهذا مؤشر باطني وجواني ، يبدو شغفه لم يتوقف بطبيعة المساس بفارق العمر بعد أن تجاوز السبعين من عمره هناك رؤية معرفية بالطبيعة يريد أن ينبهنا إليها هذا الفنان حينما يصر على بث (ألوان الخضرة وزرقة السماء الصافية ورؤية النساء اليافعات ) هذا المختبر المعرفي لا يريد تمجيد الواقع فحسب بل تبدو خطواته واثقة من تأثير الجمال على تعبيراته هذه اللوحات لم تكن حادة في بواعثها على العكس واضحة ورقيقة وتلزمنا غايتها منذ الوهلة الأولى تحت التوجه البصري وإثارته الشكلية ..ثم تأكيد مفاده أن إتاحة اكبر قدر ممكن من التنويع قد يقدم تجربة تصويرية ذات صبغة تجريبية تعزز من ذلك التنوع الفني إلا أن المهمة مع وضاح الورد لم تعد هكذا هناك وفاء وإخلاص مع الممارسة في الفن ومن هنا بات ارتقاؤه في مخاطبة وتماهي الحياة اليومية يقع تحت طائل الانجذاب النفسي والتغني بالموجودات والحسيات ولهذا السبب نرى أشكالا غارقة في التنسيق اللوني الذي يميل للابتهاج والمظهرية .وسر هذه الوتيرة يغوي المتلقي ويمد في تعزيز أفكاره بل هناك توسيع استدلالي مبعثه التماسك بخطاب (الحياة) وعدم الانغلاق على محيطها البيئي وحتى في العمل الوحشي والتجريدي تتوضح الأسلوبية بعمق ولا تثقل كاهلها البنائي إلا بعد كشف التعبير فيه وهذه المغايرة الرؤيوية هي من يحمل الصياغات البنائية ليس في الشكل فحسب إنما بمدلولها وبنياته الصورية ومنذ أن تعمق الفن الواقعي عند هذا الفنان وتعاضد أمره ظلت الأنساق الصورية والوحدات فيه تتغذى من مخيلة تحب الاحتفاء بالطبيعة وأواصر هذه الرؤية تتجلى كثيرا في اغلب منجزاته الفنية .اللوحة عند وضاح الورد نسيج معادل لما يمكن رؤيته في الحياة اليومية (السوق /الريف /المحلة / الطبيعة ) هذا الاهتمام المتزايد بالمضمون ما عاد بحاجة إلى تأكيد الرمز مثلما يحدث مع فنانين اخرين . وإنما يبقي الإشارة وتفصيلاتها قيد الانجاز الفكري بمعنى تظل دلالة البيئة في لوحاته ذات نزعة (عينية / تأثيرية ) تحتفظ بما أرادت له أن يكون سردا لأطوار الحياة وتاريخ المكان فيه وهذا الفهم يبنى على أساس لذة ترينا نتائجها من خلال قوة الكتلة اللونية في السطح التصويري وهاجس التقريب باللوحة من مواضيع بيئة من خلال الشكل وهذا الاحتفاظ والتأكيد على هذه الثنائية يصب في غاية الظهور وليس الخفاء لقد اتجهت كل تلك الأعمال الفنية بمنظومتها المعرفية نحو (تعزيز قيمة الحياة والاحتفاء بها ) .نستخلص مما سبق بان القيمة الفنية والجمالية التي تبنى في متن اللوحة عند وضاح الورد تنتهي عند اثر أنساني وهي كفيلة بمخاطبة الإنسان على زمن مفتوح كون المعنى الحقيقي والظاهري لثوابتها يسعى دائما في اتجاه التأسيس والتوحد عند خط واحد والعمل الفني من هذا الجانب هو نتاج قدرة ومثابرة ويتسم بالجد . لقد ظلت تكوينات وضاح تفصح عن شيء حسي وطقس خاص بذاته وهي تتساوى في انفتاحها بين المعتقد والتحرير (المعتقد ) الذي يستملي فرادة الجوهر المعرفي في خطاب لوحة تجدد دلالاتها وفقا لنتاج البنى الصورية المبتكرة (والتحرر)من تجاوز خطاب ثابت لا يقوم على أساس الحدث والتجديد وهذا التقارب والنبرة الحية في ثوابت البعد الجمالي عند هذا الفنان يتيح لنا الاحتفاظ بالعاطفة المحمولة في الشكل البصري ففي جميع الفنون الإنسانية هناك دلالة صورية ذات خلق وإبداع ومع الرسم عند الفنان وضاح هناك رسالة استظهار تأتي بالمستظرف والبحث الحياتي واعتقد أن مجال الرسم عنده يظل بعيدا في عمقه طالما يفرز دورته التعبيرية المتبادلة بين وجوده وقيمة الحياة اليومية ..ومن الأشياء الملفتة هو التمسك بنمط واحد من التعبير البصري ليثبت فكرته أولا ويحفظ المشتركات الطبيعية بين رسالة الرسم وإضاءة الواقع ولعل كثرة الشفرات في منظومة اللوحة الواحدة تكفي كسلسلة تستعمل لأجل اجتياز حيادية الرسم وعليه لا توجد لوحة لا تحمل شفراتها على صعيد الحفر في الواقع المعاش وقدرة الرسم هي إثبات امتيازها الاشاروي وكلما مر بها الزمن بدت أكثر إيضاحا وإعطاء لشكلها الصوري هذي الخاصية مع لوحات (وضاح الورد ) تشكل لسان حال البيئة العراقية والتشبث بالعمق الاجتماعي وتأويلاته الفلسفية . النماذج المقدمة لنا من لوحات زيتية ومائية مر عليها سنوات تتسع في خصوصيتها وتمثلاتها . شكلها مفتوح على مديات رؤيوية انطوت في مظهر التشابه والتماثل بين النفسي والواقعي ومضمونها يخضع لسيرة ونموذج باطني لم يكن خارج الوظيفية الجمالية والمثالية لديمومة الفن .