(2)
كأن صديقي المصري التقط مرارة الخجل التي شعرت بها فتدخل بذكر أسماء لمثقفين وادباء عراقيين تجاوزوا حاجز الممنوع ومروا بجرأة على ظواهر استهدفت عقول الناس من خلال التستر تحت عباءة الدين. توقف بإعجاب شديد عند الرصافي وعلي الوردي وهادي العلوي. رد التونسي: وهل فينا من ينكر ذلك؟
حسبته تراجع فاغتنمتها فرصة لأسأله: لماذا اخترت علي عبد الرازق أولا ولم تذكر طه حسين او نصر حامد أبو زيد أو سيد القمني مثلا. رد علي : لان عبد الرازق كان ابن المؤسسة الدينية وشيخا ازهريا وقاضيا شرعيا. لذا يعد موقفه "ثورة" تلقفها من هم خارج المؤسسة الدينية. تحسر ثم قال: بصراحة ارجو ان لا أجرحك لو قلت وهذا هو الذي ينقص المثقف العراقي. سألته: هل تقصد اننا في العراق لم يتهيأ لنا من داخل مؤسساتنا المذهبية من يمتلك الجرأة على نقد النصوص الدينية، أم ماذا؟ أجاب:على العكس فلديكم أحمد الكاتب والسيد أحمد القبانجي. لكني لم أجد مثقفا عراقيا معاصرا واحدا في هذه الأيام الطاحنة، اعتمدهما حجر أساس للانطلاق نحو آفاق أرحب وأكثر عمقا في ممارسة النقد الديني الموضوعي كما حدث في مصر وتونس على سبيل المثال. تركتم الفاشية الدينية تكبر حتى تحولت الى فاشية طائفية لم تكتف بتدمير الوضع السياسي فقط بل وتعده لكافة مرافق الحياة حتى الخدمية منها. حتى نفطكم وماؤكم وكهرباؤكم صاروا شيعة وسنّة. اما من ناحية العسكر والقضاء ونهب المناصب والمجازر فهذه يصعب عدها او حصرها. لذت بالصمت المطبق. بدلا من ان يرحمني قال: دعني أقسو قليلا واسألك سؤالا شغلني:
لماذا لم نسمع بكاتب عراقي منع كتابه أو خرجت ضده تظاهرات من قبل التكفيريين او الطائفيين لأنه اخترق حاجز الفاشية الطائفية ونجح في الوصول الى عقول الناس وخاصة العراقيين؟ أليس المثقف الحقيقي هو من لا يخضع للرأي الجمعي السائد ويكون على استعداد تام الى أن ينبذ اجتماعيا او أن يحرق هو وكتبه؟ نعم فيكم مثقفون هربوا للمنفى او اختاروه طوعا لكن اغلبهم فرّ لأسباب سياسية او "اقتصادية" وليس لأنه من أصحاب الفكر الحر الذي لا يرى سلطة دينية او دنيوية معفاة من النقد.
عدت من الحوار مهموما وانا استعرض أسماء مثقفينا، خاصة الذين تخصصوا بالبحث في شأن التراث الديني والمذهبي في أيامنا هذه. بصراحة وجدت الرجل كان على حق. نعم وجدت بهم من يقترب من "الثورة" لكنه مثل صاحبة "المجرشة" يقف عندها مسمرا عاجزا عن كسرها. هل هي مداراة "لخبزته" أم خوف على حياته؟ لا أدري ولا ألوم!
جميع التعليقات 5
ياسين عبد الحافظ
الم اقل لك اصرخ يا استاذ؟ فى ردى على مقالك السابق قبل اسبوع او اكثر حول كتاب حزن عراقي، اصرخوا ايها الكتبة، فهذا في صميم وصف مهنتكم، يبدو لى والاكيد انكم لا تطالعون اصلا ردود بعض قراء مقالاتكم،وهذا ليس غريبا فى عراق اليوم.اقتراح الى ادارة المدى ان تزود ا
د. علي الخطيب
تحليل واقعي عميق في مبتغاه لا مجاملة فيها ولا وجل كما احييك اخي الدكتور هاشم سغة صدرك وقبولك بالرأي والرأي الاخر دون الهروب من مواجهة الحقيقة المره وفي هذا الصدد أود ان ابين لكم باه هناك من رجالات الدين والفكر الذين تجرأوا على تجاوز الخطوط الحمراء وو
Sa3eed Salim
تحية للدكتور العقابي و لصديقه التونسي ، أفرحاني جداً عموداك الأخيران، إذ توسمت بهما إن ثمة مثقفا عراقياً بدأ يقترب أخيراً بملعقته من الإستكان ليخوط داخله. لكنك مازلت بهذين العمودين تستمتع با لاستماع لصوت الجرش دون الإقتراب من المجرشة. نأمل أن تكون أنت
محمد توفيق
نقاد الفكر الديني في الدول العربية يواجهون ردة فعل الدولة وحدها أما في العراق فالأمر يختلف تماماً. فدولتنا ليست هي مرجعيتنا القانونية الوحيدة التي نحتكم إليها في الأزمات أو الإشكالات القانونية أو الفقهية فهناك العديد من التنظيمات العلنية والسرية التي تنا
أبو ياسر
كثيرون من خرج الموئسسة الدينية في العراق أمثال الشاعر محمد صالح بحر العلوم وقصيدته الرائعة أين حقي والشاعر الشعبي عبد الحسين أبو شبع وله قصائد كثيرة في هذا المجال وفي هذه الأيام خرج علينا ابن البصرة عبدالرزاق الجبران وله كتب كثيرة منها آلهة المعبد و