كنا صغارا - إخوتي وانا - ما خلعنا كل أسناننا اللبنية بعد . يوم أعلن عن نفير صامت في بيتنا الكبير بالبصرة .. أخليت غرفة في الطابق العلوي من محتوياتها على عجل ،، جاء نفر أغراب ، يحملون صناديق كارتون وخشب ،، و(كواني ) جنفاص ثقيلة ملأى بما لا ندري ، رصفوها - بعناية - في الغرفة العلوية وأغلقوا دونها الباب .
كان حب الإستطلاع الطفولي هاجسنا .. كنا ننتظر مغادرة الوالد للعمل ، وإنشغال الأم ، لنتسلل للغرفة المغلقة ، نفتح بابها الموصود بتلصص، لنكتشف ما كان غامضا سره ،
ولكم كانت خيبتنا كبيرة ، حين لا نجد بين كل ذاك الركام لعبا ولا حلوى . بل ماكينات طباعة ، ورولات ورق أسمر وآبيض ، وكدس من كتب مهداة من آصحابها ، وآقلام وقوارير حبر ورزم صحف ودفاتر مطرز آعلاها بكلمات بدت لنا شديدة الغموض أزاء معرفتنا الكليلة باللغة ::
السجل . جريدة سياسية يومية لصاحبها : طه الفياض العاني ، تقول الحق ولا تخشى لومة لائم.
كانت رولات الورق كنزا لآخوتي الصغار ، إذ إهتبلوها فرصة لعمل الطيارات الورقية -.في غفلة من رقابة كبار الأسرة - والصعود بها للسطح العالي ، للإفلات من قيظ البصرة اللاهب ( الشرجي ) ،
عرفنا آنذاك إن السلطات الرقابية — في العهد الملكي - قد آغلقت الصحيفة ، لتجاوزها الخطوط الحمر وصاحبها مهدد بالإعتقال ، لذا أثر الإمتثال للقرار والإختفاء عن آعين السلطةء ريثما تهدأ الأمور . ولم يجد ( الفياض العاني ) غير والدي آمينا ومؤتمنا على كنزه الصحفي .
استعيد ذكرى تلك الأيام . كما لو كانت ليلة البارحة . وأهدهد خواطري ، وأعجز عن تكميم اسئلة كبرى :: كم هو باهظ الثمن الذي يدفعه الصحفي الأصيل الأعزل ليقول كلمة حق ، وليكشف آباطيل ويفضح مفسدين ؟
هل من عزاء للرعيل الأول من الصحفيين ، ولمن تلاهم ، الذين قارعوا ويقارعون الشر والأشرار ، لا بمسدس ولا بمفخخة . إنما بسن قلم رهيف كجنح فراشة ، حده أمضى من سيف مسلول ؟ وهل من يد عليا ، تنتشل من هم في عوز او عسر او ضيق ذات يد ؟؟
طوبى لصاحبة الجلالة الصحافة في عيدها ، ْعام آخر شاق - يرصع بماسته الثمينة تاجها البهي .
يا،،، صاحبة الجلالة .
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2015: 09:01 م