TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عدّت على خير في الكوت

عدّت على خير في الكوت

نشر في: 17 يونيو, 2015: 09:01 م

لا أتصور أن أحداً ممن تظاهروا أمس في مدينة الكوت (جنوب بغداد) قد بادر أو سعى الى الاشتباك مع الشرطة، فالمتظاهرون، وهم من العمال بعدد غير كبير، إنما تجمّعوا أمام مقر مجلس محافظة واسط للمطالبة مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية (رواتب واجوراً) وتحسين الخدمات العامة المتردية وبخاصة الكهرباء.
والحكم بعدم مبادرة المتظاهرين بالاشتباك مع الشرطة مؤسس على واقع ان العراقيين عامةً يخافون رجال الشرطة ويتجنبون الاحتكاك بهم واستفزازهم لإدراكهم انهم الخاسرون دائماً إذا ما دخلوا في مواجهة معهم. ويرجع هذا الى ان كل الحكومات في تاريخ العراق الحديث، بما فيها الحكومة التي انتهت ولايتها في العام الماضي، قد جعلت من الشرطة جهازاً للقمع والتنكيل بالمواطنين، فيما وظيفتها في الأساس حفظ النظام وتطبيق القانون. بل ان بعض تلك الحكومات لم يتورع عن استخدام حتى قوات الجيش في مهمة القمع. كان نظام صدام بارعاً في ذلك، لكنّ الحكومة السابقة كادت أن تباريه عندما استخدمت القوات العسكرية في قمع التظاهرات الشعبية التي اندلعت في شباط من العام 2011 للمطالبة بتوفير الخدمات العامة وإصلاح العملية السياسية ومكافحة الفساد الإداري والمالي والبطالة والفقر.
والحكم بعدم مبادرة المتظاهرين بالاشتباك مع الشرطة في الكوت أمس مؤسس أيضاً على واقع ان المتظاهرين كانت لديهم رسالة محدّدة أرادوا إبلاغها الى مجلس المحافظة وليس الى الشرطة أو أية جهة أخرى في الدولة.
المشكلة ان الكثير من عناصر الشرطة يفهم مهمة حفظ النظام الموكلة إليهم على انها منع الناس بالقوة من التظاهر أو الاعتصام أو أي شكل آخر من أشكال التعبير التي كفل الدستور حريتها على نحو واضح.
ثمة نقص كبير في معرفة عناصر الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية معرفة جيدة بأحكام الدستور، ونقص مماثل في معرفة حقوق الإنسان التي يتعيّن ليس فقط منع انتهاكها وإنما أيضاً عدم تجاوز عناصر الشرطة والأمن عليها.
الجيد انه لم تقع أحداث مؤلمة في الكوت أمس، باستثناء ما قيل ان قوات "سوات" قد أساءت معاملة الصحفيين كالعادة، لكن هذا لا يعني انه لن يحدث أبداً أن نشهد في يوم ما انتهاكات خطيرة لحق العراقيين في التظاهر والاعتصام للمطالبة بحقوق مهضومة وحريات متجاوز عليها، على غرار ما حصل مع تظاهرات 2011 وبعدها.
من اللازم أن تبذل وزارة الداخلية جهوداً حثيثة متواصلة لكي يتشبّع رجال الشرطة بفكرة ان واجبهم الأساس، عندما ينزل بعض الناس الى الشارع في مظاهرة، هو ضمان أمن المتظاهرين والحؤول دون حصول تجاوزات (من المتظاهرين) على حريات الآخرين وحقوقهم وممتلكاتهم. اما القمع فليس مهمة أي جهاز في الدولة، لا الشرطة ولا غيرها، والقمع ممارسة محرّمة في النظام الديموقراطي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram