لا أتصور أن أحداً ممن تظاهروا أمس في مدينة الكوت (جنوب بغداد) قد بادر أو سعى الى الاشتباك مع الشرطة، فالمتظاهرون، وهم من العمال بعدد غير كبير، إنما تجمّعوا أمام مقر مجلس محافظة واسط للمطالبة مطالبين بصرف مستحقاتهم المالية (رواتب واجوراً) وتحسين الخدمات العامة المتردية وبخاصة الكهرباء.
والحكم بعدم مبادرة المتظاهرين بالاشتباك مع الشرطة مؤسس على واقع ان العراقيين عامةً يخافون رجال الشرطة ويتجنبون الاحتكاك بهم واستفزازهم لإدراكهم انهم الخاسرون دائماً إذا ما دخلوا في مواجهة معهم. ويرجع هذا الى ان كل الحكومات في تاريخ العراق الحديث، بما فيها الحكومة التي انتهت ولايتها في العام الماضي، قد جعلت من الشرطة جهازاً للقمع والتنكيل بالمواطنين، فيما وظيفتها في الأساس حفظ النظام وتطبيق القانون. بل ان بعض تلك الحكومات لم يتورع عن استخدام حتى قوات الجيش في مهمة القمع. كان نظام صدام بارعاً في ذلك، لكنّ الحكومة السابقة كادت أن تباريه عندما استخدمت القوات العسكرية في قمع التظاهرات الشعبية التي اندلعت في شباط من العام 2011 للمطالبة بتوفير الخدمات العامة وإصلاح العملية السياسية ومكافحة الفساد الإداري والمالي والبطالة والفقر.
والحكم بعدم مبادرة المتظاهرين بالاشتباك مع الشرطة في الكوت أمس مؤسس أيضاً على واقع ان المتظاهرين كانت لديهم رسالة محدّدة أرادوا إبلاغها الى مجلس المحافظة وليس الى الشرطة أو أية جهة أخرى في الدولة.
المشكلة ان الكثير من عناصر الشرطة يفهم مهمة حفظ النظام الموكلة إليهم على انها منع الناس بالقوة من التظاهر أو الاعتصام أو أي شكل آخر من أشكال التعبير التي كفل الدستور حريتها على نحو واضح.
ثمة نقص كبير في معرفة عناصر الشرطة وسائر الأجهزة الأمنية معرفة جيدة بأحكام الدستور، ونقص مماثل في معرفة حقوق الإنسان التي يتعيّن ليس فقط منع انتهاكها وإنما أيضاً عدم تجاوز عناصر الشرطة والأمن عليها.
الجيد انه لم تقع أحداث مؤلمة في الكوت أمس، باستثناء ما قيل ان قوات "سوات" قد أساءت معاملة الصحفيين كالعادة، لكن هذا لا يعني انه لن يحدث أبداً أن نشهد في يوم ما انتهاكات خطيرة لحق العراقيين في التظاهر والاعتصام للمطالبة بحقوق مهضومة وحريات متجاوز عليها، على غرار ما حصل مع تظاهرات 2011 وبعدها.
من اللازم أن تبذل وزارة الداخلية جهوداً حثيثة متواصلة لكي يتشبّع رجال الشرطة بفكرة ان واجبهم الأساس، عندما ينزل بعض الناس الى الشارع في مظاهرة، هو ضمان أمن المتظاهرين والحؤول دون حصول تجاوزات (من المتظاهرين) على حريات الآخرين وحقوقهم وممتلكاتهم. اما القمع فليس مهمة أي جهاز في الدولة، لا الشرطة ولا غيرها، والقمع ممارسة محرّمة في النظام الديموقراطي.
عدّت على خير في الكوت
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2015: 09:01 م