كتبت مرات عن ليلة منتصف الصيف التي تصادف الآن، وهي أحد أهم المناسبات عند شعوب الشمال. وتحدثت كذلك عن أشهر عمل يتعلق بهذه المناسبة، وهو عمل "حلم ليلة منتصف الصيف" لفيلكس مندلسون – بارتولدي الذي ألفه وهو في السابعة عشرة من عمره، سنة 1826 وكان بيت
كتبت مرات عن ليلة منتصف الصيف التي تصادف الآن، وهي أحد أهم المناسبات عند شعوب الشمال. وتحدثت كذلك عن أشهر عمل يتعلق بهذه المناسبة، وهو عمل "حلم ليلة منتصف الصيف" لفيلكس مندلسون – بارتولدي الذي ألفه وهو في السابعة عشرة من عمره، سنة 1826 وكان بيتهوفن الاسطورة وقتها لايزال حياً. عمل 1826 كان عملاً كلاسيكياً في صيغة افتتاحية لكن بروحية رومانتيكية، أعاد مندلسون استعماله في العمل الذي كتبه سنة 1842 كموسيقى مصاحبة لمسرحية شيكسبير بنفس العنوان. وتألف العمل من أجزاء موسيقية خالصة وأخرى غنائية للسوبرانو والمتسوسوبرانو والكورس للتوكيد على بعض مفاصل عمل شيكسبير الأصلي. وجرى لاحقاً اختيار المقطوعات الموسيقية الخالصة فقط ليتكون منها عمل جديد على شكل متتابعة موسيقية. وأشهر مقطع من هذا العمل هو مارش الزواج الاحتفالي، والذي أصبح أهم موسيقى تؤدى خلال مراسيم الزواج، وهو العمل الوحيد الذي وزعه الموسيقار المجري فرانس ليست من بين أعمال مندلسون (بين 1847-1850). ويعرف عن ليست أنه أعاد توزيع نحو 400 عمل من أعمال الموسيقيين الآخرين للبيانو أو للأوركسترا بطرقة رائعة ومتقنة، والأعمال المكتوبة للبيانو تتميز بتقنية عالية ويصعب عزفها، ولا عجب، لأن ليست كان من أمهر عازفي البيانو في القرن التاسع عشر كله.
نصل الآن إلى الجزء الثالث من كتابتي هذا اليوم، وهو التسجيل الرائع الذي سجله عازف البيانو المجري الغجري الأصل جورج تْسِفرا لمارش الزواج الذي ألفه مندلسون ووزعه ليست للبيانو. ولد جورج تْسِفرا في بودابست سنة 1921 ودخل أكاديمية الموسيقى في بودابست وهو في الثامنة من العمر بخلاف كل قوانين وأعراف الأكاديمية بسبب موهبته الفائقة. تزوج إثر تخرجه من راقصة مصرية كانت تعمل في بودابست. بعدها جاءت سنوات طوال ومريرة من الصعوبات والمآسي: فقد كان جندياً الزاميا في الجيش المجري أثناء الحرب العالمية الثانية وسيق في 1942 إلى الجبهة الروسية ضد الاتحاد السوفيتي، وهناك فر بقيادة سيارته بعيداً قبل أن يقع في أسر الأنصار السوفيت وسجن لسنتين قبل أن يهرب ليقع من جديد في قبضة الجيش السوفيتي، ثم عاد إلى الجبهة مرة ثانية لكن في الجانب الآخر، ليصبح قائد دبابة في الكتيبة الشيوعية المجرية، وتسرّح في 1946. حاول الهرب إلى الغرب فسجن في معتقلات راكوشي بين 1950-1953 حيث سخّر في تقطيع الأحجار للبناء. بعد اطلاق سراحه عاد للحياة الموسيقية وحصل على وسام فرانس ليست سنة 1956. نجح اخيراً في الوصول إلى فيينا بعد قيام الثورة المجرية خريف سنة 1956، بعدها أخذ نجمه في الصعود السريع حتى غدا من أفضل وأمهر عازفي البيانو في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. أصبح مواطناً فرنسيا في 1968 وتوفي في 1994 بعد سنوات أليمة أعقبت وفاة ابنه الوحيد الذي كان موسيقياً واعداً وقائد اوركسترا في حادث حريق شقته سنة 1981.