مناجيات مع كازانتاكي

15
تروي لنا أن لدى الصينيين شتيمة مدهشة فهم يشتمون عدوهم بقولهم ( فلتولد في عصر مهم). فالمولود في عصر مهم لاينتبه اليه أحد بسبب الأحداث الجسام التي تشغل الناس وتنسيهم كل ماحولهم فلا يهتمون بالأفراد ، وهكذا الإنسان في عصر الاحتلال والغزو والصراعات الدامية لا أحد يهتم به سوى كونه صوتا في الانتخابات أو جندياً في المعركة ، أي أنه محض رقم في لعبة السياسة.
تعلق أنت على عصرك وكوارثه : ينبغي أن يكون المرء بطلاً ، أو يصير بطلاً كي يستطيع العيش في هذا العالم الدنيء المتعفن .
- ولكن أين هي الأرواح العظيمة أيها الكريتي المقاوم ؟؟
- الروح البِكْر تنمو تحت عفونة العالم ، ترفع رأسها وتتغذى كالنبتة من ذلك العفن وسوف تكبر وتنتصر بعدنا بقرون ، لن تموت الأرواح العظيمة.
- تخبرنا ايليني أنك بعد أن أكملت ترجمة الإلياذة صرت تكتب قصائد الهايكو وأنت مهموم بكيفية تدبير تكاليف الطباعة ، فالناشرون اليونانيون يخشون من صيتك اليساري ومعاداة الكنيسة الارثوذكسية لك ولكتبك فيمتنعون عن نشر أعمالك طوال سنوات.
- حدث أمر غريب ، فقد نبّه وزير يوناني الأميرة ماري بونابرت الى كتبي وقرأتها وأعجبت بها واقترحت على ملكة اليونان قراءتها فأصدرت الملكة أمراً يمنع رجال الدين من حرق كتبي وتعريض الكنيسة إلى السخرية عندما تقدم على هذا.
- وتتابعت الأحداث الطيبة بعد ذلك وتحمس الناشرون فطبعت أعمالك الكاملة في اليونان وجاء نبأ ان أدباء النرويج أجمعوا على ترشيحك لجائزة نوبل للسلام بعد أن خسرت جائزة نوبل للآداب امام ألبيركامو سنة 1947 ، ترى لماذا رفضت في البداية هذا الترشيح ؟؟
- ليس من العدل أن أقبل ، فلتمنح لمناضل يوناني تعذب من أجل السلام واقترحت منحها للشاعر فارناليس أو الروائي كورناروس الذي اعتقلته الشرطة الفاشية في اليونان..
- لكن اللجنة العالمية ألحت عليك بالقبول وسوف يتوج معك الرسام الصيني الشهير شي يا شي الذي بلغ التسعين من عمره..وعاد صديقك دانييليذس إلى إقناعك لأن رفضك قد يعد إهانة للجنة نوبل.
- قبلت على مضض ، وجاءت جائزة السلام التي لم تكن متوقعة ، فرحت ايليني، ولم أحزن ، وكتبت لصديقي: عدم اكتراثي لايصدق ـ أنت وحدك تصدقني ، عدم اكتراثي بهذه الأمور صار حالة مرضية لدي فقلبي يشتعل من أجل اشياء أخرى ، الحمد للرب انك تصدقني..
- بماذا تحدثت أمام لجنة نوبل ؟؟
- لم أتحدث إلا عن الحرية والسلام لتفهمني الشعوب التي عانت من الاحتلال والفاشية وتحررت منهما، قبلت الجائزة باسم جزيرتي كريت التي دفعت أثمانا باهظة من اجل حريتها وخلاصها من الاحتلال النازي . والهمني كفاح كريت كاتبا وانسانا يعمل من أجل الكرامة الانسانية.
- كيف شعرت إزاء الجائزة؟
- تلقيت المكافأة الرفيعة مثل عامل يتسلم اجرته بعد نهارعمله ، وشعرت بتأثر عميق ، وبارتباك أكبر وتساءلت : هل أنا حقا جدير بهذه الأجرة؟؟
- تقول ايليني في هذه الفترة انك دخلت مرحلة مختلفة من حياتك ، فيها شيء من التخلي والاستسلام والاكتفاء بأبسط الأمور.
- لم استسلم ولم اتخل عن مشروع من مشاريعي إنما كنت أقاوم المرض وأناضل للبقاء كل لحظة.
- زارك شاب مصري يجمع بين الثورية والتصوف.
- إنه عزيز عزت الذي أدهشتني ثقافته ومعرفته بعدد من اللغات وسيحبني ويكتب سيرتي بعد سنوات.
 يتبع