TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حين تكون الحياة بذلة سوداء ومسدساً

حين تكون الحياة بذلة سوداء ومسدساً

نشر في: 20 يونيو, 2015: 09:01 م

بين الطلب بوجوب فحص النصوص المسرحية والغنائية الذي فرضه مكتب محافظ البصرة على الفنانين والمسرحيين في المدينة وبين غزوة المسلحين ذوي الثياب السود على اتحاد الادباء والكتاب في بغداد وبين الغرامة التي فرضها مجلس محافظة الناصرية على متعاطي المشروبات وممارسات أخر لا تعد ولا تحصى وشائج تقول وتؤكد على أن: الديمقراطية كذبة عراقية كبيرة، والحرية وهم عربي بامتياز. وقانون إجازة الحياة في العراق: بذلة سوداء ومسدس.
من خلال الدستور نفسه وخروق دستورية لا تعد وأفعال غير قانونية كثيرة قامت بها جهات حكومية ومثلها شبه حكومية –حزبية راحت فسحة الديمقراطية في العراق تتآكل، وكان غض الطرف والتهاون في تطبيق القوانين أو العجز الذي تمارسه الحكومة يوميا وراء ذلك كله. ها، نحن نبتعد شيئا فشيئاً عن الطمأنينة، ها، نحن نقترب أكثر فأكثر من درجة الانهيار، وما نتوقعه يتجاوز الغزوات هذه، يتعدى حدود الصلاحيات الممنوحة للمجالس المحلية. والحوادث التي نقرأ عنها ونسمع بها كل يوم، وفي غالبية المدن باتت من نسيج حياتنا، لانفرق بينها وبين جلودنا، حتى أن الموت على الأسرة لم يعد يشكل الصورة النهائية التي تنتظرنا، نحن بانتظار ما هو أبعد من ذلك.
وحتى اللحظة هذه تفعل المعجزة ما ليس بمقدورنا توقعه، المعجزة السماوية أو الأرضية، على حد سواء، هي التي تدبر الأمر بينا، إذ يعجب غالبية العراقيين من آلية إدارة الحياة وترتيب الاولويات عندنا، وقد تبدو أسئلة مثل: لماذا لم يمت فلان، أو كيف نجوت من الموت خلال العقد الأخير بدون اجوبة حتى وقت طويل قادم. منذ سنوات وسنوات لا تجيب الاجهزة الأمنية على نتائج التحقيق في قضية القتلى المجهولين، تكتفي بالقول بأن مسلحين ملثمين بأسلحة كاتمة أو صائتة قتلوا فلانا، او عُثر على جثته في المكان الفلاني وأثر طلقات في الرأس والصدر. لا بل أن ذوي المقتول لا يطالبون بتفاصيل أكثر. يكتفون بحمل الجثة من دائرة الطب العدلي ويقيمون مجلس العزاء لتنتهي القصة بانتظار حادث جديد. هكذا بات الموت في العراق زائرا لا يسأل اهل الدار عن مدى إقامته في المنزل.
من يتوقع تحقيقا في قضية غزوة اتحاد الادباء عليه أن يفتش في نتائج ملفات اللجان التحقيقية التي شكلتها الدوائر الأمنية نتيجة الخروق الدستورية والقانونية في عموم مدن العراق، وعلى مدى أكثر من عقد. ومن يبحث عن نهايات معلومة لتجاوزات المسلحين غير المسمّين في سجلات الدوائر الأمنية على الحريات الشخصية علينا ان نوقظه من غفوته هذه. هنالك شعور بالخيبة يمارسه الجميع. أرفع الهاتف عقيب كل غزوة وحادث قتل في البصرة واتكلم مع ضباط كبار في الشرطة، استعلم منهم عمن يقوم بذلك، ومن يقف وراء الحوادث هذه فأسمع اجابات باردة، تقليدية، لا تعني احداً، هكذا مثلما يجيبني أحد حين أسأله عن شارع لا يعرفه، مثل إجابته عما إذا كان بإمكانه أن يدلني على وجود محل لبيع الثياب المستعملة لا يعرفه هو. وإذا اطمأن لي أجابني الاجابة الاكثر تقليدية: أنت تعرفهم، هم نفسهم، المسلحون المجهولون، نحن الشرطة سنحقق في الموضوع، لا شيء بأيدينا.
بالأمس ضيّف مجلس محافظة البصرة المحافظ د. ماجد النصراوي، وتطايرت أرقام مليارية خرافية: 2600 مليار تمت إعادتها للخزينة منذ 2013 و 1700 مليار مصروفة بأوجه غير معلومة، ولم يصادق على معظمها المجلس، ومثل الأرقام هذه صرفت في مشاريع وهمية، لا يرى المواطن منها شيئا على الواقع. في مدينة خربة، تتراجع فيها الخدمات وتتقوض فيها الحريات. المحافظ يجيب عن أسئلة المجلس، التي يُعتقد أنها سياسية، أكثر مما هي اقتصادية- استثمارية، والمجلس يتهم المحافظ بصرف المليارات دونما نتائج ملموسة ولجنة النزاهة التي حركت الموضوع، لم نسمع أنها جرمت لجنة، أو ساقت مقاولا لصا الى القضاء. منذ وجودها كعصب قضائي في المجلس ... عن أي بلاد نتحدث ترى؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو اثير

    لن تهنأ البصرة والبصراويون ألا بعد أن تكون أقليم خاص بها ويدير أمورها مجلس للأعمار مكون من نخبة من أبناء البصرة ألأصلاء ... لا الدخلاء على البصرة مثلما الدخلاء على بغداد والبغادة وعودة المهجرين والنازحين الى هاتين المدينتين الى مناطقهم ألأصلية التي نزحوا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram