بين الطلب بوجوب فحص النصوص المسرحية والغنائية الذي فرضه مكتب محافظ البصرة على الفنانين والمسرحيين في المدينة وبين غزوة المسلحين ذوي الثياب السود على اتحاد الادباء والكتاب في بغداد وبين الغرامة التي فرضها مجلس محافظة الناصرية على متعاطي المشروبات وممارسات أخر لا تعد ولا تحصى وشائج تقول وتؤكد على أن: الديمقراطية كذبة عراقية كبيرة، والحرية وهم عربي بامتياز. وقانون إجازة الحياة في العراق: بذلة سوداء ومسدس.
من خلال الدستور نفسه وخروق دستورية لا تعد وأفعال غير قانونية كثيرة قامت بها جهات حكومية ومثلها شبه حكومية –حزبية راحت فسحة الديمقراطية في العراق تتآكل، وكان غض الطرف والتهاون في تطبيق القوانين أو العجز الذي تمارسه الحكومة يوميا وراء ذلك كله. ها، نحن نبتعد شيئا فشيئاً عن الطمأنينة، ها، نحن نقترب أكثر فأكثر من درجة الانهيار، وما نتوقعه يتجاوز الغزوات هذه، يتعدى حدود الصلاحيات الممنوحة للمجالس المحلية. والحوادث التي نقرأ عنها ونسمع بها كل يوم، وفي غالبية المدن باتت من نسيج حياتنا، لانفرق بينها وبين جلودنا، حتى أن الموت على الأسرة لم يعد يشكل الصورة النهائية التي تنتظرنا، نحن بانتظار ما هو أبعد من ذلك.
وحتى اللحظة هذه تفعل المعجزة ما ليس بمقدورنا توقعه، المعجزة السماوية أو الأرضية، على حد سواء، هي التي تدبر الأمر بينا، إذ يعجب غالبية العراقيين من آلية إدارة الحياة وترتيب الاولويات عندنا، وقد تبدو أسئلة مثل: لماذا لم يمت فلان، أو كيف نجوت من الموت خلال العقد الأخير بدون اجوبة حتى وقت طويل قادم. منذ سنوات وسنوات لا تجيب الاجهزة الأمنية على نتائج التحقيق في قضية القتلى المجهولين، تكتفي بالقول بأن مسلحين ملثمين بأسلحة كاتمة أو صائتة قتلوا فلانا، او عُثر على جثته في المكان الفلاني وأثر طلقات في الرأس والصدر. لا بل أن ذوي المقتول لا يطالبون بتفاصيل أكثر. يكتفون بحمل الجثة من دائرة الطب العدلي ويقيمون مجلس العزاء لتنتهي القصة بانتظار حادث جديد. هكذا بات الموت في العراق زائرا لا يسأل اهل الدار عن مدى إقامته في المنزل.
من يتوقع تحقيقا في قضية غزوة اتحاد الادباء عليه أن يفتش في نتائج ملفات اللجان التحقيقية التي شكلتها الدوائر الأمنية نتيجة الخروق الدستورية والقانونية في عموم مدن العراق، وعلى مدى أكثر من عقد. ومن يبحث عن نهايات معلومة لتجاوزات المسلحين غير المسمّين في سجلات الدوائر الأمنية على الحريات الشخصية علينا ان نوقظه من غفوته هذه. هنالك شعور بالخيبة يمارسه الجميع. أرفع الهاتف عقيب كل غزوة وحادث قتل في البصرة واتكلم مع ضباط كبار في الشرطة، استعلم منهم عمن يقوم بذلك، ومن يقف وراء الحوادث هذه فأسمع اجابات باردة، تقليدية، لا تعني احداً، هكذا مثلما يجيبني أحد حين أسأله عن شارع لا يعرفه، مثل إجابته عما إذا كان بإمكانه أن يدلني على وجود محل لبيع الثياب المستعملة لا يعرفه هو. وإذا اطمأن لي أجابني الاجابة الاكثر تقليدية: أنت تعرفهم، هم نفسهم، المسلحون المجهولون، نحن الشرطة سنحقق في الموضوع، لا شيء بأيدينا.
بالأمس ضيّف مجلس محافظة البصرة المحافظ د. ماجد النصراوي، وتطايرت أرقام مليارية خرافية: 2600 مليار تمت إعادتها للخزينة منذ 2013 و 1700 مليار مصروفة بأوجه غير معلومة، ولم يصادق على معظمها المجلس، ومثل الأرقام هذه صرفت في مشاريع وهمية، لا يرى المواطن منها شيئا على الواقع. في مدينة خربة، تتراجع فيها الخدمات وتتقوض فيها الحريات. المحافظ يجيب عن أسئلة المجلس، التي يُعتقد أنها سياسية، أكثر مما هي اقتصادية- استثمارية، والمجلس يتهم المحافظ بصرف المليارات دونما نتائج ملموسة ولجنة النزاهة التي حركت الموضوع، لم نسمع أنها جرمت لجنة، أو ساقت مقاولا لصا الى القضاء. منذ وجودها كعصب قضائي في المجلس ... عن أي بلاد نتحدث ترى؟
حين تكون الحياة بذلة سوداء ومسدساً
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو اثير
لن تهنأ البصرة والبصراويون ألا بعد أن تكون أقليم خاص بها ويدير أمورها مجلس للأعمار مكون من نخبة من أبناء البصرة ألأصلاء ... لا الدخلاء على البصرة مثلما الدخلاء على بغداد والبغادة وعودة المهجرين والنازحين الى هاتين المدينتين الى مناطقهم ألأصلية التي نزحوا