اللهجة المحلية في اغلب مدن جنوبي العراق تطلق مفردة "ماصول" على المزمار والناي المصنوع من القصب ، تشير الدراسات التاريخية الى ان السومريين اول من عرف الناي ، وكشفت التنقيبات الاثرية عن استخدام "الماصول السومري" في اداء طور غنائي قريب من "المحمداوي" كجزء من ممارسة الطقوس الدينية في ذلك الوقت ، واحيانا اثناء اقامة الاحتفالات بوصول احد كبار الكهنة الى مرتبة الآلهة ، "الماصول" حافظ على حضوره في الحياة العراقية ، انتقل الى مدن العراق الغربية فخضع لتحوير بالشكل طبقا للموقع الجغرافي ، فصنع من اغصان الاشجار واحيانا من قرون الماعز الجبلي ، في دبكة مناطق العراق الغربية والشمالية يكون للمزمار او" المطبك" الدور الكبير في اداء الرقصات الجماعية بمشاركة الرجال والنساء ، وهلا برجال الجوبي حتى الصباح تقديرا لجهودهم في اشاعة الفرح واضفاء البهجة بنفوس الحاضرين .
الماصول آلة موسيقية هوائية خضعت للتحوير ، استجابة لضرورات الاستخدام ، دخلت الى الجيوش بشكل بوق نحاسي لاغراض الايعاز للنهوض من النوم والتوجه الى ساحات التدريب ، يتولى المهمة جندي برتبة صغيرة يعرف داخل الوحدات العسكرية باسم "البوقجي" يضبط المواعيد باجزاء الدقيقة الواحدة ، باطلاق نغمات مختلفة يعرف دلالاتها الجنود ، بدءا من بوق النهوض الى حلول موعد تسلم "القصعة" وجبة الغذاء والعشاء ، مع صمون الجيش الاسمر.
تحتفظ ذاكرة الجيل السابق من ابناء محافظة البصرة بصورة الرجل "تومان " كان يجيد العزف على آلة المزمار حتى عن طريق الانف ، المرحوم "تومان" كان يقدم عرضا في الهواء الطلق للاعلان عن وصول افلام جديدة الى دور العرض السينمائي في البصرة ، مهمته الترويج لتلك الافلام وتشجيع البصريين على مشاهدتها ، الاستجابة لعرض تومان تتحقق بحضور الاسر البصرية لدار العرض لمشاهدة الفيلم من دون منغصات ومشاكسات المراهقين ، المرحوم تومان كان وحده يعد مؤسسة اعلانية تجيد الترويج بطريقة لم يستخدمها غيره في العراق وربما في دول المنطقة .
على ذكر الماصول كان احد الاشخاص في محافظة اربيل يستخدم قرن الماعز للحصول على مصروفه اليومي من اصحاب المحال والدكاكين ، فهو حين يطلق الصوت من "ماصوله " يشق طبلة الاذن ، فيضطر صاحب المحل تفادي سماع الصوت المرتفع باعطاء الرجل فئة معدنية من عملة ذلك الزمن ، اما من يرفض فقوة الصوت تجعل بضاعته تسقط من رفوفها ولتجنب هذه الورطة واضرارها يدفع لصاحب الماصول لاتقاء شره .
الماصول في الوقت الحاضر ، انتقل الى المشهد السياسي العراقي فكل مسؤول وزعيم تنظيم سياسي لديه وسائل اعلام كثيرة تبث الاخبار العاجلة ومنها على سبيل المثال رئيس كتلة الحل والربط يتبرع بسلة غذائية لنازحي الانبار ، وامين عام حزب سياسي سخر فضائيته لتسليط الضوء على نشاطه ومطالبته بدعم الحوثيين في اليمن ، وزعيم سياسي في كل ساعة يطل عبر شاشة فضائيته لتقديم المواعظ للعراقيين ، هؤلاء وغيرهم لم يصلوا الى خبرة المرحوم تومان في اقناع المشاهدين ، لحملهم "الماصول" المصنوع من قرون الماعز .
"ماصول" المسؤول
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2015: 09:01 م