TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نخاسة إسلامية

نخاسة إسلامية

نشر في: 22 يونيو, 2015: 09:01 م

عرضت مقعدي في الباص اللندني على راهبة مسنة فاغتصبت ربع ابتسامة وضعتها على شفتيها الرفيعتين، مع كلمة شكر موجزة.
فكرت أن أجعلها تعرف بأنني مسلم، وسط إجراءات أمنية ملحوظة في الشوارع اللندنية ومراكز التسوق ومحطات المترو، لكنني عدلت عن فكرتي معتقداً بأنها نوع من المزايدة على قناعات الناس، هنا، بأن الإرهاب إسلامي، وعندها فكرت، ثانية: لكن الإسلام ليس إرهابياً.
في لحظة تمثل التخاطر بين شخصين، رفعت "الأخت" وجهها إلي لتقول، بهمس مهذب: أنت شرق أوسطي، أليس كذلك؟ أجبت بالإيجاب، فأردفت: يعني مسلم؟
أوضحت: نعم، أنا مسلم بالولادة والتسجيل المدني، لكن استنتاجك ليس دقيقاً، لأن الشرق الأوسط غني بتنوع هائل لا يضاهيه تنوع الأوروبيين المتأخر بسبب الهجرات واللجوء، لأن تنوعنا يعود إلى خمسة آلاف عام، واستمر حتى اليوم، فالأديان والأقليات والمذاهب تعايشت في بلاد ما بين النهرين، مثلاً، قبل وأثناء الفتوحات الإسلامية وبعدها.
رغم تهذيب "الأخت" الراهبة المسنة، لم يبد عليها الارتياح من توضيحاتي، حتى أنها فتحت حقيبتها وأخرجت صحيفة بريطانية هي "إيفننغ ستاندرد" (صارت توزع مجانا) حيث نشرت تقريراً عن "سوق النخاسة الإسلامي" في العراق وسوريا. قالت: أهديك هذه النسخة لتقرأها في البيت. ثم تهيأت لتغادر الباص في الموقف التالي.. قالت: أتمنى لك أمسية لطيفة مع "سوق النخاسة الإسلامي".. كان وداعها عدوانياً.
في البيت قرأت التالي في الصحيفة البريطانية:
"أعلنت مبعوثة الأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي أن الفتيات اللواتي يختطفهن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يبعن في أسواق نخاسة مقابل أثمان زهيدة قد تقارب ثمن علبة دخان.
وصفت زينب بانغورا، التي زارت العراق وسوريا، ما يجري بأنه حرب تجري على أجسام النساء.
وأفادت: ثمة أكثر من مئة فتاة في بيت صغير.. عرّوهن وغسلوهن، ثم أجبروهن على الوقوف عاريات أمام عدد من الزبائن لتبدأ المساومة على سعر كل منهن.
وروت بانغورا حكاية طفلة (15 عاماً) اشتراها قيادي في "داعش" وهو رجل في الخمسين، عرض عليها مسدساً وعصا وأمرها أن تختار، فاختارت المسدس، ليرد عليها بغضب: لم أبتعك كي تنتحري.. ثم اغتصبها.
وأشارت المبعوثة الأممية إلى أن ملخص الرسالة الداعشية إلى شباب العالم هو: لدينا نساء بانتظاركم.. المقاتلون الأجانب هم عماد القتال.
المسؤولة الأممية أشادت بالمرجع الإيزيدي (بابا شيخ) الذي أبدى تفهما لحالات الضحايا وضرورة مساعدتهن على استعادة حياتهن المدمرة".
أنهيت قراءة التقرير، بتقزز وغضب وكرهت كوني مسلماً حتى بالولادة، ولم أقتنع بأن "داعش" لا يمثل الإسلام لفرط غضبي.
ولأن "الأخت" الراهبة لم تعد موجودة قربي أنشأت حواراً مكملاً لما انقطع:
- حدث مثل هذا في التاريخ، عبر العالم، خلال فتوحات الرومان وغزوات الفايكنغ.. وعبيد أفريقيا كانوا عمال بناء حضارتكم الراهنة في أعمال السخرة تحت سياط الأسياد.
- لكن هذا قبل أكثر من ألف عام.. هل تستعيدونه في القرن الحادي والعشرين؟
لم يعد بمقدوري تكملة حوار حتى متخيلاً!
تخيلت، بدلاً منه، بناتي وحفيداتي وأخواتي وقريباتي وجاراتي وهن يقفن على منصة النخاس الإسلامي المسلح في سوق نخاسة معاصر، بينما يقف التاجر "الشرعي" منادياً على بضاعته، مستنداً على آيات وأحاديث، صحيحة أو منحولة أو ضعيفة، وأنا أرى وأسمع بتقزز وغضب لأكره كوني مسلماً، حتى بالولادة، أو مسجلاً في بطاقة الأحوال المدنية، ولم أقتنع بأن "داعش" لا يمثل الإسلام.
بماذا تشعر البنت، في لحظة النخاسة الإسلامية، وهي تقف عارية وتنحني بجسدها على جسدها لتخفي ما تستطيع إخفاءه عن عيون الزبائن؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram