منذ عقود وشهر رمضان مثلما شهر المحرم مواسم خصبة للخطباء والمتحدثين، وأننا لنجد سعيا مجتهدا من أصحاب المجالس والدواوين والحسينيات-من الميسورين- تحديدا، فهم يتسابقون لاستقدام الخطيب هذا والمحدّث ذاك، وقد نشأت من خلال ذلك حركة جماهيرية، غير مسبوقة حيث تمكن مجموعة من الخطباء بينهم الشيخ جعفر الإبراهيمي والسيد محمد الصافي من الاستحواذ على قلوب وألباب المستمعين اليهم، في مناطق الوسط والجنوب(الشيعيين) لما في احاديثهم من معقولية اولاً ولتناولهم اوضاع البلاد الامنية والاقتصادية ولنقدهم الممارسة السياسية لبعض الزعامات الشيعية تحديداً ثانيا، فضلاً عن تسليطهم الضوء على ما هو يومي وراهن بعيداً عن الهرطقات والخزعبلات التي يأتي بعض أقرانهم، والتي لا تمت للواقع بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.
بالأمس شاهدت في الفيس بوك مقطعا قصيرا للمحدث الشيخ جعفر الإبراهيمي، يظهر فيه منفعلاً، متذمرا مما آلت اليه أوضاع البلاد، مستنكرا، مستقبحاً الوضع السياسي والاقتصادي والخدمي مستعرضا ما في البلاد من أزمات مالية وأمنية، وقد كان مجلسه عامراً، مكتظا بالناس، غالبيتهم من الشباب، الذين كان يدعوهم (ضمنا) للتصدي والنهوض بواقع البلاد، ثم أنه راح يتهكم ويتهكم بقوله:" لنذهب إلى مصر ونأتي بشباب يتظاهرون ويحتجون لنا...) في يأس واضح من إمكانية استنهاض الروح عند العراقيين. وهذا ما نود التوقف عنده .
أخفقت الاحزاب الدينية بشقيها الطائفيين وبعموم العراق في مشروعها السياسي إذا لم نقل بانها السبب في كل ما أصاب البلاد من سوء، إذا لم نقل بأنها وراء قتل وتهجير ونزوح ملايين العراقيين، أخفقت لأنها تفردت في زعامة وقيادة المشهد السياسي خلال اكثر من عقد، وقد أثبتت التجارب فشلها فيه. وأخفقت القوى الوطنية، العلمانية التي لم يكن لها أي دور في الحراك السياسي هذا، لأنها ظلت على هامش الزعامة تلك، ولم تتسلم مناصب سيادية، لذا فهي لم تُختبر بعد، بل لم تُمنح الفرصة في ذلك. من هنا نجد ان الشارع العراقي ظل أسير محنتين رئيسيتين: أولا، القيادة الدينية التي لم تفعّل جمهورها العريض باتجاه الاصلاح وبناء المجتمع على أسس صحيحة، واكتفت بالحشود المليونية غير المنتجة، تحركها عاطفيا، الامر الذي أجج الصراع الطائفي. وثانيا القيادة العلمانية، التي لم تتمكن من أخذ مبادرتها، وسط حملة التجريم والتفسيق والتكفير التي أشاعتها زعامات وأتباع القيادة الدينية. حتى بات الحديث عن الوطنية يعني العلمانية وعن العلمانية يعني الشيوعية وعن الشيوعية يعني الكفر والإلحاد وهكذا نستنتج بأن الأحزاب الدينية وراء كل ما نحن فيه. ماذا نقول وقد بات الشارع أسير الغيب من جهة وأسير الكذب والخديعة من جهة أخرى.
ما يعنينا هنا هو خطبة الشيخ الإبراهيمي وكنت علقت حينها قائلا: يا شيخ، لماذا لا تقوم أنت بالمهمة النبيلة هذه، وأنت رجل معلوم، مشهود لك بالصلاح ومسموع الكلمة، ولديك من الجماهير ما يغطي وقوفها ساحات بغداد كلها، ولديك من الاتباع ما لو فرّقتهم على المنطقة الخضراء لأوسعوها رجالا، فكن الأسوة والمثل. ولا أحدثك بحديث أنت صاحبه، إذ لم ينتظر الإمام الحسين أحداً ليتقدمه في حربه مع يزيد، إنما تقدمهم بآل بيته ثم قال في الليلة التي سبقت الحرب قولته الشهيرة، وكان يقصد ضعفاء القلوب:" هذا الليل فاتخذوه جملا..." يا شيخنا نحن أتباعك، إذ من غير المعقول أن تتردى أحوالنا فنستجلب متظاهرين من مصر لكي يقفوا بوجه لصوصنا وسرّاق لحمنا وأموالنا . التحية لك لأنك قلت الحق .
أقول ذلك لأني مؤمن بأن التغيير في العراق لن يأتي من خارج الحراك الديني، إنما من داخله، إذ لم يئن الزمن بعد للقوى الوطنية –العلمانية أن تتسيّد المشهد، وتتحكم بحراك الشارع العراقي. الحكماء والعقلاء والشجعان من داخل القوى والتيارات الدينية هم الذين سيحركون المشهد العراقي القادم .سيحركون ما عجز عن تحريكه أحد، وما يعتمل في المجالس والشارع قمين بالتغيير الذي نُنشد.
التحية للشيخ جعفر الإبراهيمي
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
صدقني يااستاذ طالب قبل يومين انا وبعض الناس جمعتنا الصدفة وكنا في مكان ما وخضنا في نفس الموضوع وعتبنا على الشيخ الابراهيمي وقلنا ماقلته الان ياشيخ لماذا لاتنزل الى الميدان مع هذا الجمهولرالغفير في ساحة التحرير ونقسم اننا اول الحاضرين في هذا الميدان ولانري
محمد توفيق
الإبراهيمي شيخ يستحق الإصغاء، فهو خطيب جيد وذو اطلاع واسع على التاريخ الإسلامي الوسيطي، ويتمتع بشعبية ملحوظة لانه يتبع طريق النقد المكشوف لظواهر الفساد والظلم السائد في العراق من قبل من يدعون انهم ممثلو الطائفة المظلومة. على العموم فإن ظاهرة المزج بين ا