TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التحية للشيخ جعفر الإبراهيمي

التحية للشيخ جعفر الإبراهيمي

نشر في: 23 يونيو, 2015: 09:01 م

منذ عقود وشهر رمضان مثلما شهر المحرم مواسم خصبة للخطباء والمتحدثين، وأننا لنجد سعيا مجتهدا من أصحاب المجالس والدواوين والحسينيات-من الميسورين- تحديدا، فهم يتسابقون لاستقدام الخطيب هذا والمحدّث ذاك، وقد نشأت من خلال ذلك حركة جماهيرية، غير مسبوقة حيث تمكن مجموعة من الخطباء بينهم الشيخ جعفر الإبراهيمي والسيد محمد الصافي من الاستحواذ على قلوب وألباب المستمعين اليهم، في مناطق الوسط والجنوب(الشيعيين) لما في احاديثهم من معقولية اولاً ولتناولهم اوضاع البلاد الامنية والاقتصادية ولنقدهم الممارسة السياسية لبعض الزعامات الشيعية تحديداً ثانيا، فضلاً عن تسليطهم الضوء على ما هو يومي وراهن بعيداً عن الهرطقات والخزعبلات التي يأتي بعض أقرانهم، والتي لا تمت للواقع بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.
بالأمس شاهدت في الفيس بوك مقطعا قصيرا للمحدث الشيخ جعفر الإبراهيمي، يظهر فيه منفعلاً، متذمرا مما آلت اليه أوضاع البلاد، مستنكرا، مستقبحاً الوضع السياسي والاقتصادي والخدمي مستعرضا ما في البلاد من أزمات مالية وأمنية، وقد كان مجلسه عامراً، مكتظا بالناس، غالبيتهم من الشباب، الذين كان يدعوهم (ضمنا) للتصدي والنهوض بواقع البلاد، ثم أنه راح يتهكم ويتهكم بقوله:" لنذهب إلى مصر ونأتي بشباب يتظاهرون ويحتجون لنا...) في يأس واضح من إمكانية استنهاض الروح عند العراقيين. وهذا ما نود التوقف عنده .
أخفقت الاحزاب الدينية بشقيها الطائفيين وبعموم العراق في مشروعها السياسي إذا لم نقل بانها السبب في كل ما أصاب البلاد من سوء، إذا لم نقل بأنها وراء قتل وتهجير ونزوح ملايين العراقيين، أخفقت لأنها تفردت في زعامة وقيادة المشهد السياسي خلال اكثر من عقد، وقد أثبتت التجارب فشلها فيه. وأخفقت القوى الوطنية، العلمانية التي لم يكن لها أي دور في الحراك السياسي هذا، لأنها ظلت على هامش الزعامة تلك، ولم تتسلم مناصب سيادية، لذا فهي لم تُختبر بعد، بل لم تُمنح الفرصة في ذلك. من هنا نجد ان الشارع العراقي ظل أسير محنتين رئيسيتين: أولا، القيادة الدينية التي لم تفعّل جمهورها العريض باتجاه الاصلاح وبناء المجتمع على أسس صحيحة، واكتفت بالحشود المليونية غير المنتجة، تحركها عاطفيا، الامر الذي أجج الصراع الطائفي. وثانيا القيادة العلمانية، التي لم تتمكن من أخذ مبادرتها، وسط حملة التجريم والتفسيق والتكفير التي أشاعتها زعامات وأتباع القيادة الدينية. حتى بات الحديث عن الوطنية يعني العلمانية وعن العلمانية يعني الشيوعية وعن الشيوعية يعني الكفر والإلحاد وهكذا نستنتج بأن الأحزاب الدينية وراء كل ما نحن فيه. ماذا نقول وقد بات الشارع أسير الغيب من جهة وأسير الكذب والخديعة من جهة أخرى.
ما يعنينا هنا هو خطبة الشيخ الإبراهيمي وكنت علقت حينها قائلا: يا شيخ، لماذا لا تقوم أنت بالمهمة النبيلة هذه، وأنت رجل معلوم، مشهود لك بالصلاح ومسموع الكلمة، ولديك من الجماهير ما يغطي وقوفها ساحات بغداد كلها، ولديك من الاتباع ما لو فرّقتهم على المنطقة الخضراء لأوسعوها رجالا، فكن الأسوة والمثل. ولا أحدثك بحديث أنت صاحبه، إذ لم ينتظر الإمام الحسين أحداً ليتقدمه في حربه مع يزيد، إنما تقدمهم بآل بيته ثم قال في الليلة التي سبقت الحرب قولته الشهيرة، وكان يقصد ضعفاء القلوب:" هذا الليل فاتخذوه جملا..." يا شيخنا نحن أتباعك، إذ من غير المعقول أن تتردى أحوالنا فنستجلب متظاهرين من مصر لكي يقفوا بوجه لصوصنا وسرّاق لحمنا وأموالنا . التحية لك لأنك قلت الحق .
أقول ذلك لأني مؤمن بأن التغيير في العراق لن يأتي من خارج الحراك الديني، إنما من داخله، إذ لم يئن الزمن بعد للقوى الوطنية –العلمانية أن تتسيّد المشهد، وتتحكم بحراك الشارع العراقي. الحكماء والعقلاء والشجعان من داخل القوى والتيارات الدينية هم الذين سيحركون المشهد العراقي القادم .سيحركون ما عجز عن تحريكه أحد، وما يعتمل في المجالس والشارع قمين بالتغيير الذي نُنشد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو سجاد

    صدقني يااستاذ طالب قبل يومين انا وبعض الناس جمعتنا الصدفة وكنا في مكان ما وخضنا في نفس الموضوع وعتبنا على الشيخ الابراهيمي وقلنا ماقلته الان ياشيخ لماذا لاتنزل الى الميدان مع هذا الجمهولرالغفير في ساحة التحرير ونقسم اننا اول الحاضرين في هذا الميدان ولانري

  2. محمد توفيق

    الإبراهيمي شيخ يستحق الإصغاء، فهو خطيب جيد وذو اطلاع واسع على التاريخ الإسلامي الوسيطي، ويتمتع بشعبية ملحوظة لانه يتبع طريق النقد المكشوف لظواهر الفساد والظلم السائد في العراق من قبل من يدعون انهم ممثلو الطائفة المظلومة. على العموم فإن ظاهرة المزج بين ا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram