كيف أتعامل مع الفشل ؟ اتعامل مع الفشل بأسوأ صورة ، بمرارة ، بشكل مهين ، وبدموع صبية . ذات مرّة ، شاهدت مقابلة مدتها ثلاث ساعات مع أورسن ويلز على قناة البي بي سي ، ولو كان مقدّرا الشغف برجل من رؤيته على التلفزيون ، فإن مستر ولز استولى على حبي من
كيف أتعامل مع الفشل ؟ اتعامل مع الفشل بأسوأ صورة ، بمرارة ، بشكل مهين ، وبدموع صبية . ذات مرّة ، شاهدت مقابلة مدتها ثلاث ساعات مع أورسن ويلز على قناة البي بي سي ، ولو كان مقدّرا الشغف برجل من رؤيته على التلفزيون ، فإن مستر ولز استولى على حبي منذ ذلك الحين .
لويلز أسباب شتى تجعله لاذعا بشأن نكسات الحياة ، وخاصة أن براعته الفائقة ، التي لا تقبل الشك ، كصانع أفلام لم تمنع هوليوود من معاملته مثل وباء . وبعد سنوات من الاستجداء للمساعدة في تمويل مشاريع افلامه ــ جميعها غير مرغوب بها من الاستوديوهات ، وجميعها أُعترِف بها كجواهر رائعة ــ كان عليه في النهاية التعويل على الظهور في دعايات تجارية تلفزيونية ، عن النبيذ والشيري الاسباني ، لدعم آخر أفلامه.
أثناء المقابلة كان ويلز فطنا ، آسرا ، متواضعا ، حيويا ، متوهجا . من دون تجهم أو مرارة تبدو على جسده الضخم ، كان عملاقا متألق العينين ، ساحرا على نحو مغوِ ، ولاحتى خرب جزئيا من عبء العديد من النكسات والإهانات . مهنة الأفلام قادرة على دفع أي شخص الى حافة الجنون التام ــ كلما كنت مجنونا أكثر ، كلما كنت موهوبا بغرابة اكثر ، قصة أورسن ويلز توضّح بشكل حي بانها تتطلب شخصا واثقا من نفسه على نحو عاقد العزم كي يتلقى الفشل بشكل مشرّف . لا أمل بذلك للكثير منا ، وبلا شك لي .
نظرة سريعة الى تاريخ حائزي جوائز الاوسكار والمرشحين لها تبرز أن الكثير من الأفلام الرائعة كانت أُهملت من الترشيحات النهائية ، مع أن إنتاجات أقل قيمة تحصد بشكل منتظم قبولا حماسيا . منذ 1950 ، ولا أي من الأفلام التالية كانت حتى مرشحة لجائزة أفضل فلم : " شمال في شمال غرب " ؛ " البعض يحبها ساخنة " ؛ " فرتيغو " ؛ " الباحثان : حين التقى هاري وسالي " ؛ " عدّاء السيف : كول هاند لوك " ؛ " 2001 : اوديسا الفضاء " ؛ " يوم مرموط الخمائل " ؛ " لقاءات قريبة من النوع الثالث " .
بالطبع ، قد لا تتفق أن بعضا من هذه الأفلام هي متميزة بوجه خاص . برغم ذلك ، قائمة الأفلام المرشحة للاوسكار لأكثر من ستين سنة مضت يمكن أن تجعل أكثر الناس رواقية يجهش بالبكاء . هُزِم مستر ويلز ، باوسكار عن فلم " سيتزن كين " في عام 1942 ، امام فلم " كم كان أخضرا واديّ " . لكنه كان حقا عقابا قاسيا لمراسم الاوسكار ، التي تمنحنا بهجة مغثية كل عام ، أن تجعل لمرّات عديدة أفلاما عديمة القيمة مثل " أعظم إستعراض على الأرض " تهزم تحفا فنية مثل " هاي نون " في جائزة أفضل فلم .
من المحزن أنه ، في السينما كما في الحياة ، كونك الأفضل لا يكون بالضرورة سبيلا للنجاح . قبل سنوات مضت اشترينا شركة أبحاث أميركية كبيرة ، كان مجال اختصاصها العمل لسبعة أو ثمانية استوديوهات هوليوودية كبرى ، تجري اختبارا أوليا لأفلامها . كان الرجل الذي يدير هذا العمل يُعَد غورو [ معلم روحي ] كامل القدرة وسط جماعة السينما ، وتقدّم شركته فلمك على شاشة قاعة قبل عرضه على الجمهور ، ولها جمهور يسجّل نقاطا قبل مغادرته القاعة . إنهم يؤشرون بعلامة على الفلم : أ- ممتع بالكامل ؛ ب- مسلٍ الى حد بعيد ؛ ج- ممل الى حد ما ، الى آخره ؛ وكذلك ، أ- سوف يشاهَد ثانية ؛ ب- سوف ينصَح بمشاهدته ؛ ج- سوف لا ينصَح بمشاهدته ، الى آخره .
يتم تقييم كل ممثل بدرجة ، وغالبا ما يجرّبون نهايات مختلفة ، كي يروا أي الأداءات يمكن أن تُقطَع ، وأي نهاية لها الأفضلية . يمكن للاستوديوهات عندئذ تحديد أي الأفلام تستحق الدعم بميزانية تسويق كبيرة ، وأي منها يجب التخلي عنها .
اعتقدت ان اللقاء مع صاحبنا الغورو الذي يدير هذه الشركة سيضيء لي غوامض الموضوع ، وأكتشف القليل حول كيفية عمل هذه الإختبارات . المرمى الأساسي من سؤالي له كان : لو كانت كل الاستوديوهات تنتج 20 فلما في السنة ، لكن ثلاثة منها تحقق أرباحا كبيرة ، وخمسة لابأس بها ، والأخرى إخفاقات مالية ، ما هي القاعدة العامة التي يقدمها بحثه ؟ نجاح ثلاثة أفلام من عشرين ، لايبدو أثرا باهرا لمنافع الإختبار الأولي .
شرح لي شيئا واحدا بوضوح شديد . (( كل قاعة مولتيبلكس [ دار سينما بشاشات منفصلة متعددة ] لها شاشات مخصصة لكل ستوديو . هذه الشاشات تحتاج أن تُملأ ، وعلى الاستوديوهات أن تصنع منتجا يملأ شاشاتها ، وكمية المنتج الجيد محددة . لذا عليك المضي بصنع أفلام حتى لو لم تكن هناك حماسة كبيرة للمشروع ، في سبيل حماية قاعتك في تخصيص الشاشات لإتاحة المجال للاستوديو المنافس . ))
ربما سيبدو طيشا مني ان اكرر ما اكتشفته من أمور اخرى حول درجة النجاح المغمّة التي تنجزها هوليوود . لكني ، على الأقل ، أعرف الآن الجواب عن سؤال كان غالبا ما يلتبس عليّ حين أشاهد فلما رديئا ــ كيف امكنهم ن يصنعوا فلما مثل هذا ؟
* من قائمة تشارلز ساتشي لأكثر من 100 فلم كان يجب أن ترشح لجوائز الاوسكار كأفضل فلم .
عن: صحيفة الغارديان