اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > سكان الأهوار ... والعودة الى هجرة اخرى ؟!

سكان الأهوار ... والعودة الى هجرة اخرى ؟!

نشر في: 24 يونيو, 2015: 06:01 م

هو ذا الحلم يتحقق ، وآمال كاظم باتت اكبر للعودة الى الموطن الاصلي حيث طيور الخضيري وانواع الاسماك، حيث القصب والبردي والخريط ، وبحيرات ماء ملونة بسواد الجاموس، وهو يغطس منتشيا باحثا عن سر الخلود والماء. حلم كاظم الذي أُجبر على ترك كوخ القصب الذي كا

هو ذا الحلم يتحقق ، وآمال كاظم باتت اكبر للعودة الى الموطن الاصلي حيث طيور الخضيري وانواع الاسماك، حيث القصب والبردي والخريط ، وبحيرات ماء ملونة بسواد الجاموس، وهو يغطس منتشيا باحثا عن سر الخلود والماء. حلم كاظم الذي أُجبر على ترك كوخ القصب الذي كان يؤويه واولاده، واللجوء الى عوالم الطابوق والاسمنت، فقد جفت الاهوار، بفعل طائش من حاكم بائس. كاظم اقنع اولاده بالعودة الى الموطن الاول للحياة، موطنهم الاصلي. حيث السماء تمتد مع الافق وتختلط بالاخضر مطرزة عنوان لوحة كونية. عادت العائلة مع عائلات اخرى تشظت في مدن البلاد، عادوا وكلهم امل بالنهاية الاخيرة وسط الماء. لكنهم لم يدركوا وربما لم يعلموا ان عودتهم تعني ان عليهم الاستعداد لهجرة اخرى ، وهذا ما يعمل عليه الان ابناء كاظم الذي تحقق حلمه ومات وسط الهور.

 

إنقاذ السكان

 

ربما تكون سمة الحروب المقبلة دون قنابل ومتفجرات وطائرات، فالسدود كفيلة بقتل وتشريد الملايين، وهذا ما يحدث الان في اهوار جنوب العراق التي تدفع ثمن بناء السدود في اعالي نهر الفرات، اضافة الى غلق بوابات سدود الرمادي من قبل داعش. لم يكن (جواد) ،اكبر ابناء كاظم، يتوقع ان يصل الامر الى ما صرح به محافظ ذي قار يحيى الناصري الذي حمَّل الحكومة التركية وتنظيم داعش مسؤولية التجفيف الذي تتعرض له مناطق الاهوار في جنوبي وشرقي الناصرية. داعيا الحكومة المركزية للتحرك دوليا لإنقاذ السكان المحليين من العطش والتجفيف والتدهور البيئي. وقال ان اهوار الناصرية تعيش نكبة حقيقية حاليا ، فالارض تشققت من العطش والسكان يعيشون محنة الجفاف والثروة الحيوانية والسمكية مهدده بالهلاك، فمناطق الاهوار التي كانت مغمورة بالمياه قبل نحو شهرين تعاني حاليا من الجفاف والتدهور البيئي. مضيفا: ان ما يحصل من تجفيف حاليا هو امتداد لحقبة التجفيف التي شهدتها تسعينات القرن الماضي على يد النظام السابق.

جواد وهو يقرأ ما تتمتع به الاهوار من إرث حضاري وتاريخي وثقافي لا يخص العراق او ذي قار وانما هو جزء من التراث العالمي ، والحفاظ عليه مسؤولية تضامنية تهم الجميع لهذا شدد الناصري على ضرورة تحديد حصة مائية كافية وثابتة لتغذية وانعاش مناطق الاهوار والحفاظ على التنوع البيئي. وان مجمل التنوع الاحيائي والبايلوجي في مناطق الاهوار بات في خطر وان الثروة الحيوانية التي كانت تنعم بالمياه قبل بضعة اشهر باتت اليوم مهددة بالموت والعمى من شدة العطش. مشيرا الى ان تلوث المياه وشحتها وارتفاع نسب الملوحة فيها تسبب بتفشي الامراض بين السكان ونفوق الاسماك وحصول هلاكات بين قطعان الجاموس ، الامر الذي تسبب بنزوح اعداد كبيرة من مربي الجاموس والسكان المحليين من مناطق الاهوار التي شهدت التجفيف خلال الاسابيع الاخيرة .

 

جريمة جديدة

 

حسن ،صديق جواد، حدثه ان أهوار العراق ، هذه المسطحات المائية الخارقة الجمال بثرواتها السياحية والحيوانية، يفترض ان تكون من المحميات العالمية وليست ضمن لائحة التراث العالمي مثلما تعمل على ذلك وزارة السياحة والآثار. حيث اكد له ان الوزير عادل الشرشاب ذكر ان جريمة قطع الموارد المائية من قبل تنظيم داعش الارهابي عن المحافظات الجنوبية وتسببه بجفاف الاهوار، لن تؤثر على خطة انضمام تلك المسطحات المائية الى لائحة التراث العالمي .موضحا: ان التسبب بشح المياه وتجفيف الاهوار يعد جريمة جديدة تضاف الى سلسلة الجرائم التي يرتكبها التنظيم الارهابي والذي انتهج منذ البداية سياسية الإبادة الجماعية وفقا لأجندات ومشاريع خبيثة .

واستدرك الشرشاب: بالرغم من كل ذلك لن تتخلى الوزارة عن مشروعها المتعلق بادراج الاهوار الجنوبية ضمن لائحة الثراث العالمي مؤكدا انها اكملت كتابة الملف الخاصة بالترشيح ووضعت خطة ادارية للانضمام للّائحة وفقا للتوقيتات الزمنية المعدة سلفا .

 

عودة الحياة ولكن ؟؟!

اثناء ذلك تدخل (عيدان) الذي يكبرهما بعقد من السنين وهو يقص عليهما ما قرأه في الهجرة الاولى اثناء دخوله الدراسة، وما اعلمه به مدرس مادة الجغرافية الاستاذ هادي الذي تعود اصوله الى الاهوار. تغطي الاهوار مساحة قرابة 20,000 كم2، وهي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط. يسكنها قرابة نصف المليون شخص من مربي الجاموس. لكن هذا العدد تضاءل حتى وصل الى نسبة 10% فقط بحلول عام 2000 نتيجة لما تعرض له النظام البيئي جراء بناء سدود على نهري دجلة والفرات، الأمر الذي تسبب بانخفاض كبير في كمية المياه المتدفقة إلى الأهوار. إلا أن الضربة القاضية كانت حين قام نظام البعث بتجفيف الأهوار في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وتم بناء السواتر الرملية وشق ما يسمى بالنهر الثالث الذي استنزف مياه الأهوار.

تتمتع  الأهوار ،قبل تجفيفها، بحياة نادرة وجميلة عبر تنوع الطيور المائية والاسماك. فهي فندق الدفء بالنسبة للطيور وقت الهجرة والصعيق الثلجي وخير مكان للتفقيس. اضافة لدورها بتنقية مياه نهري دجلة والفرات واللذين يصبان بعد ذلك عبثا في الخليج وذلك عن طريق التأثيرات الطبيعية للبكتيريا والأوكسجين وأشعة الشمس، قبل أن تتدفق إلى الخليج.

عيدان حدثهما عن بزوغ امل العودة للاهوار بعد سقوط النظام وكيف كانت الاحلام تسبقهم بطريق العودة. وبدعم من السلطات المحلية، قاموا بإزالة العديد من السواتر الرملية.  وبعد ذلك بوقت قصير، بأن نحو خمس مساحة منطقة الأهوار انغمر مرة أخرى بالمياه. حيث استعاد النظام البيئي الفريد بعض رونقه كما تم توفير المياه النقية والصرف الصحي لقرابة 85,000 نسمة من المتبقين في المنطقة اذ تحمَّل برنامج الأمم المتحدة للبيئة مسؤولية تنفيذ المشروع بدعم مالي من الحكومة اليابانية والمانحين الدوليين. لكن بعد قرابة 12 عاما من العودة ومحاولة الاستيطان من جديد تلوح ملامح هجرة اخرى.

 

تكيّف للبقاء

منذ الاف السنين وهذه المسطحات المائية تزخر بحياة الماء وكل ما يعيشه به وحوله . المهندس الاستشاري في منظمة طبيعة العراق جاسم الاسدي ذكر لـ (المدى): تزخر المعمورة بالمناطق الرطبة. وتعتبر هذه المناطق من أغزر وأكثر النظم الطبيعية تنوعاً على وجه البسيطة. وليست أهوار المياه العذبة ومستنقعات المصبات جنوبي العراق بمستثناة من ذلك. فلقد آوت هذه المسطحات المائية منذ آلاف السنين مختلف أشكال الحياة من نبات وطير وحتى البشر الذين اعتاشوا على خيراتها الطبيعية، وجميع هذه الكائنات تكيفت بشكل كبير للبقاء في هذا النظام الطبيعي المائي الثر. تمثل الأهوار المركز في دورات حياة الكثير المتنوع من الأحياء بما في ذلك غذاؤها، تكاثرها وصحتها. كما آثرت الكثير من الكائنات الحية المهددة استغلال المناطق الرطبة كملجأ طبيعي.

 

كليب الماء وفراؤه

وعن ما تعانيه هذه المسطحات الان من خطر التجفيف بين الاسدي: أن الجفاف الحالي الذي يجتاح أهوار جنوب العراق سيؤثر يشكل كبير على تهديد التنوع الاحيائي وخاصة الأسماك والطيور واللبائن ذات الصلة بالمياة وعلى وجه التحديد (كليب الماء) ذو الفراء الناعم والذي يمثل قيمة عالمية منذ تسجيلة لأول مرة عالميا عام 1956 حيث وجد في هور الحويزة والأهوار الوسطى، وكذلك الغيالم والأفاعي والسلسلة الغذائية الواسعة، ونباتات مائية غاطسة وأخرى سامقة تشكل عالما فريدا من نوعه.

 

خسارة بليغة

المهندس الاستشاري جاسم الأسدي اشار الى أن التذبذب في مستويات المياه يمثل التهديد الرئيس لكثير من الطيور المائية المستعمرة وخاصة عددا من أنواع البجع. أما بالنسبة للأنواع الغواصة من الطيور فإن التقصي عن عودتها وغيابها يتأثر بمستوى مناسيب مياة البحيرات والمخزون السمكي فيها. ان الجفاف الحالي يشكل خطرا بيئيا كبيرا على مجمل تنوعات الأهوار ويؤثر على الخطوات اللاحقة في انشاء المحميات الطبيعية فيها وانضمامها الى لائحة التراث العالمي وبذلك سنخسرعالما من التنوع الاحيائي وسكن استيطاني ذي مواءمة مع الطبيعة لايقدر بثمن.

 

 

الكوليرا تهدد

حسن عاد واخبر صديقه جواد بعد ان تركهم عيدان ان خطر الجفاف لايتوقف عند هجرة الناس والطيور وشحة الاسماك وقلة الرزق بل بتفشى المخاطر الصحية ايضا وهذا ما حذرت منه صحة المحافظة بخطر تفشي مرض الكوليرا نتيجة انحسار المياه عن مناطق واسعة من اهوار الناصرية وتأثير ذلك على نوعية مياه الشرب في المناطق المتضررة. وأعرب مدير عام دائرة صحة ذي قار سعدي الماجد عن قلق المؤسسات الصحية من تلوث مياه الشرب في مناطق الاهوار التي انحسرت عنها المياه، مبينا أن الفحص الكيمياوي والبايولوجي الذي أجرته المؤسسات الصحية في مختبراتها اثبت فشل نماذج المياه المسحوبة من مناطق الاهوار وعدم صلاحياتها للاستخدام البشري، مؤكدا تسجيل ارتفاع كبير في معدلات الملوحة والتلوث. محذرا من ان تتسبب شحة المياه بانتشار مرض الكوليرا.

وبين أن "تسجيل اية حالة اصابة بمرض الكوليرا ستنتشر بين المواطنين بشكل سريع جدا وهائل الامر الذي يعرض المحافظة وصحة المجتمع الى انتكاسة خطيرة جدا، منوها إلى أن ملاكات دائرة الصحة تقوم بحملة اعلامية لنشر الوعي الوقائي حول مرض الكوليرا وتوزيع مادة الكلور على سكان المناطق المتضررة وذلك تفاديا لإصابتهم بالأمراض.

 

الجاموس ينقرض

وهما يتحدثان عن موعد هجرتهما المقبلة مرت عليها (ام عيدان) وهي موشحة بحزن ثيابها السود التي ادمنت على ارتدائها ، سألتهما عن عيدان، اخبرها حسن : اعتقد انه ذهب لدكان ابو قاسم، انطلقت مسرعة صوب الدكان لكن حفيدها الاكبر كان يركض خلفها وينادي "حبوبة ماتت الياموسة". توقفت ام عيدان عن السير فالشهر الاخير كان قاسيا عليها اذ فقدت اكثر من جاموسة وما تبقى منها لايعطي الحليب مثلما كان سابقا. عاد حسن الى جواد واخبره ان  دائرة البيطرة التابعة الى وزارة الزراعة، قد حذرت من تناقص أعداد الجاموس العراقي الذي يعتبر من أفضل عروق الجاموس في العالم، بسبب عزوف المربين عن تربيته نتيجة للشحة الشديدة في مناسيب مياه الاهوار التي تعتبر البيئة الرئيسية لها.

اذ ذكرت ان انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات اللذين يزودان اهوار العراق بالمياه، ادى الى جفاف شبه كلي في هذه المسطحات المائية، وخاصة في الاهوار الوسطى بين محافظتي ذي قار وميسان، وحرمان قطعان كبيرة من الجاموس من المصدر الرئيسي للعليقة الغذائية وهو القصب الاخضر الطري والنباتات المائية الاخرى من "الجولان، والكاط، والمران"، وفقدانها للغطس في هذه المياه لتخلصها من الحشرات الماصة كالقراد والبعوض التي تعتبر ناقلا لامراض الدم "كالثاليريا، والبابيزيا، والانابلازما".

شحة المياه تؤدي إلى تشريد مربي الجاموس الى مناطق لا تناسب تربية الجاموس، وترك مهنة الأجداد والتوجه الى ممارسة مهن اخرى، فضلا عن حرمانهم من صيد الأسماك الذي يمثل واردا يوميا آخر، علاوة على فقدانهم حليب الجاموس، وبالنتيجة سيؤدي هذا الجفاف بالمربين الى بيع قطعان الجاموس لسد النقص الحاصل من الموارد المالية من حليب الجاموس والاسماك.

السكان لم يخفوا ذعرهم من المستقبل القريب لما يرون من احداث سببها نقص المياه، والتي ادت الى موت الكثير من الحيوانات وشحة الاسماك، وضعف انتاج الجاموس للحليب. اذ يقول المربي ساجت صلوفي: ان الحال لايسر ابد كنا ننتظر لحظة العودة لموطن الاباء والاجداد لكن الذي يبدو ان ارادة البعض اقوى من احلامنا.

 

فارزة

 

الطوفان الكبير مابين 627 – 628 م هو الذي أنتج تلك المسطحات المائية الكبيرة ،الأهوار، والتي تضرّرت بيئتها بشكلٍ كبير في العقود الاخيرة بسبب الحروب والازمات السياسية، التي تركت اثارها على كل شيء ومنها الاهوار. تلك البقعة الغنية بالحياة والزاخرة بجمال الطبيعة، التي لو قدر لها، بوجود حكومات حريصة متعقلة لكانت من اجمل بقاع الارض، لما تتميز به من تنوع بيئي وثروات متنوعة ومتعددة. فالأجواء الطبيعية التي تتمتع بها الاهوار وبعيدا عن كل ما تمتلكه من ثروات يكفي هجرة الطيور النادرة اليها في فصل التكاثر ان تتحول الى محمية طبيعة تؤمن كل بقاع الارض من تلك الطيور. اما القصب والبردي ومن خلال مهارة ابناء الاهوار فيمكن بناء اكواخ سياحية، بمستلزمات الحياة البسيطة واليومية. والحديث طويل والافكار كثيرة لكن ليس كل ما يقال يتحقق خاصة في ظل وجود ازمات عالمية، وخلافات عالمية، وحركات متطرفة، وصراعات دينية ومذهبية. يشكل الاقتصاد واشكالاته اساسها المتين.

لقد عانت الاهوار من تجفيف سياسي قاهر ادى الى كوارث بيئية وخسائر اقتصادية كبيرة. وهاهي الان تعاني من تجفيف مركب سياسي / بيئي وربما يشترك معهما عنصر اخر اقتصادي اذ سبق وأن اعتبرت الأمم المتحدة الأهوار بأنها من أهم مراكز التنوع الإحيائي في العالم، وتحوي أيضاً ثروات نفطية هائلة، كما تعد الأهوار التي يغذيها نهرا دجلة والفرات، موطن أنواع من الطيور النادرة، مثل طائر أبو منجل المقدس، وتعتبر نقطة راحة لآلاف الطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا. ترى هل ستخسر الطبيعة معركة الوجود لصالح النفط ...؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram