TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الفن بشروط معاصرة!؟

الفن بشروط معاصرة!؟

نشر في: 27 يونيو, 2015: 12:01 ص

لم يعد مجال الفنون التشكيلية والبصرية في عالمنا الآن رهناً بثلاثية الفنان والعمل الفني والجمهور. ثمة وسط آخر بات أكثر أهمية في إعادة تأسيس هذا المجال، بما ينطوي عليه من نفوذ وغموض، حتى غدا يمتلك الدور في إسباغ المزيد من الشرعية، والتميّز، على العمل ا

لم يعد مجال الفنون التشكيلية والبصرية في عالمنا الآن رهناً بثلاثية الفنان والعمل الفني والجمهور. ثمة وسط آخر بات أكثر أهمية في إعادة تأسيس هذا المجال، بما ينطوي عليه من نفوذ وغموض، حتى غدا يمتلك الدور في إسباغ المزيد من الشرعية، والتميّز، على العمل الفني وتعزيز ظواهره في عالم الفن. وسط يصفه البعض بالأكاديمية غير المرئية، متشكلاً من خبراء واداريين ومؤسسات، يفترضون طبيعة معينة للفن وحضوره.
المؤسسات الفنية، متاحف الفن، قاعات العرض، دور المزادات، مديرو المعارض، نقاد الفن، مثمّنو الأعمال الفنية، خبراء العلاقات العامة، الوسطاء، والمقتنون، اختصاصات ضمن منظومات فرعية في عالم الفن الراهن، تديم طبيعة بناء القيم الفنية في المجتمعات المعاصرة، وتشارك في تثمين النتاج الفني وتقدير العملية الفنية. على رغم ذلك لم تأخذ النظريات الجمالية والنقدية التقليدية المعنية في الفن، هذه القطاعات بالجديّة المطلوبة.
لقد انتقلت ثنائية الفن والمجتمع عبر قراءات تجاوزت القرن من الزمن. كانت في البدء تتمحور على العلاقة “ما بين” الفن والمجتمع، التي بحثتها كثيراً التعليلات الماركسية في الفن. ومن ثم ثنائية الفن “داخل” المجتمع، كما بيّنتها الدراسات النقدية لمدرسة فرانكفورت. حتى بدت ثمة انتباهه لعلاقة ثالثة تتمثل الفن في وصفه “مجتمعاً” قائماً على الاندماج مع ما يسمّى الصناعة الثقافية وليس باعتباره مجالاً إبداعياً مستقلا. سؤال رسّخه مفهوم الوساطة، أو العلاقات غير المباشرة التي تكتنف الفنون المعاصرة. تصورٌ بات، من دون شك، تحدّياً لسلسة الافكار البديهية عن الفن ونظرياته الجمالية.
صور ارتباط الفن بالمجتمع، وتأثير طبيعة الاخير فيه، ومزايا الانتاج والاستهلاك الفني، وتوسطات المؤسسة الفنية والدعاية والتسويق والتمويل والمنتجين، وكل ما يشير الى اثر السياقات والقوى الاجتماعية الفرعية الملازمة للعملية الفنية التي يتطور او يتبدل من خلالها الفن راهنا، هي أهداف مبيّنة وأساسية لهذه العلاقة الجديدة، أو القراءة الثالثة للفن والتي لا تكف عن البحث والمساءلة، في ضوء السياقات الاقتصادية والثقافية والمؤسساتية والتي غدت عوامل تساعد في انتاج العمل الفني وتلقيه.
كان المدخل الشديد الانتباهة، بدأ من الرعاية التي يوليها المجتمع للفن، واثر العلاقة القائمة بين الفنان والعالم المحيط به، وقراءة تاريخ المؤسسات الفنية التي باتت بدورها موضوعاً للمناقشة والتحليل، وتبيان أهمية الطلب والاتفاقات والتأثير في مزايا الانتاج الفني وخصائصه. اي بجعل عالم الفن من صلب الواقع المجتمعي.
كان نشوء المجال الفني قد بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، ومن خلال تحدّي قواعد الاكاديمية الفرنسية في تحديدها العمل الفني. في العام 1863، رفض محكّمو هذه الاكاديمية في معرض “الصالون” السنوي بباريس لوحة “غداء على العشب” للفنان الفرنسي ادوار مانيه (1832- 1883)، كما رفضوا المئات من الاعمال الفنية لفنانين آخرين. لكن سمح لهم بتنظيم معرض خاص بأعمالهم، بعد طلب الالتماس من الامبراطور نابوليون الثالث، أطلق عليه “صالون المرفوضات”. يزعم نقاد الفن ان هذه اللحظة كانت تأسيسية لجهة ولادة الفن الحديث، اذ تغيرت حال الفن وواقعه بعدها، فاتخذ مواقف جديدة تجاه نفسه، كشفتها مسارات الحداثة أثناء تحولاتها المختلفة.
منذ ذلك التاريخ، بدأ نشوء مؤسسة تخصصية اسمها عالم الفن، بوصفها منظومة اجتماعية مستقلة عن المؤسسات الاخرى ضمن الكيان الاجتماعي العام، لها تاريخها الخاص واهتماماتها وتشريعاتها لقوانين تنظم آليات حقل الانتاج الفني وضبطه.
لم تعد الاعمال الفنية الكبيرة ذات الابعاد الكبيرة بموضوعاتها التاريخية هي أفضل الانواع، بل الاعمال الصغيرة بأبعاد اقل وبصفات مبهجة ومختلفة، تلك التي يمكن أن تقتنيها فئات المجتمع الحديث والناشئ. في ذلك العصر بدأ، أيضا، دور النقاد في تأشيرهم إلى الاعمال الفنية الجديدة التي تستحق التقدير لأسلوبيتها المتميزة. ولكي يكون العمل الفني اشدّ استثناء كان على الفنان تأليفه وفق اسلوب شخصي وفريد، وهذا ما يسعى إليه المقتنون. ان تنفيذ أعمال ابداعية خاصة قائمة على القطيعة مع التجارب الفنية السابقة، هو الذي يعزز حالة النجاح الفني والشهرة.
هكذا صار كل تحّول واختلاف في الاتجاه الفني هو فعل تميّز داخل المجال الفني وتكريس لاستقلاليته، لكونه المؤهل لامتلاك الشفرة السرية في تقدير العمل الفني وتفسيره واضفاء الشرعية عليه، وتحديد الفارق باعتباره التجربة الاهم.
تطورت تلك الصياغات والتفضيلات والغايات من اجل جماليات معاصرة، ضمن نسق التحولات التي واكبت القرن الماضي. كان عالم الفن يواكب استقلاليته بوفرة النتاج وتنوعه، وهو توسع كان غير مسبوق، من قبل، في تاريخ الفن. كانت الوفرة تهيئ كذلك، انتقال المجال الفني من كونه الحافظ لقيمة الرأسمال الثقافي للعمل الفني الى موقع صار فيه رأسمالا تجاريا. ما كان يحدد من تراتبيته، هي وسائل الاتصال وقوى السوق والسياسة الليبيرالية التي انتهجتها المؤسسات ومتاحف الفن، وتطور أنظمة فرعية تخصصية في مجال الانتاج والاستهلاك الفني خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
هكذا ستحقق الفنون المعاصرة ومنذ ذلك التاريخ مجالات انتاج ذات طابع مستقل وطبيعة تمثيل خاصة بها واحتكار شرعية التراتبية الفنية في عالم الفن. لقد صار كل رفض وتعارض يكتنف الفنون المعاصرة يحظى بالقبول بوصفه فن مؤسسة معاصرة. فالعمل الفني هو مظهر ثقافي لمجتمع الاستهلاك، القادر على اختراق حدود الفن، وعبر انعدام توافر الجمالي والجميل والاستدامة فيه، فيما الفنان هو ذلك الكائن المندمج في الصناعة الثقافية، وليس ذلك المستقل القابع في محترفه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المرور تعلن تمديد فترة تسجيل الدراجات النارية

الصدر يوجه رسالة إلى مصر والأردن بشأن تهجير غزة

خامنئي: خطة أمريكا الساذجة بشأن غزة فاشلة ولن تصل الى نتيجة

مجلس الوزراء يقرر تقليل ساعات الدوام الرسمي ساعة واحدة في رمضان

هيئة الإعلام توجه بقطع خدمة الإنترنت عن شركة كورك تيليكوم

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram