في أحدى أماسي أمستردام الممطرة كان الرسام روب سخولته (تولد سنة 1958)عائداً من سهرة دافئة مع مجموعة من أصدقائه ومعارفه في أحد المقاهي، خرج منتشياً بصحبة زوجته مايكي واتجها نحو سيارته الـ (بي أم دبليو) الزرقاء المركونة على رصيف شارع موريس، ركبا السيارة ووضع روب المفتاح وأدار المحرك، عندها حدث انفجار مدوٍ وكبير بسبب قنبلة وضعت تحت السيارة. تجمع الناس مرعوبين بسبب حدوث هذه الكارثة التي فقد هذا الرسام بسببها ساقية حتى أعلى الركبة وفقدت زوجته الحامل جنينها اضافة الى بعض الاصابت في جسدها. وحسب تقارير الشرطة وقتها فإن المقصود في هذه الحادثة هو محامٍ له مشاكل مع أحدى العصابات ولديه نفس لون وماركة السيارة وحتى رقمها مقارب أيضاً لرقم سيارة سخولته وكانت في مكان قريب من الحادث. حدثت هذه الفاجعة سنة 1994 وكان وقتها روب سخولته قد لمع نجمه كرسام مهم ومميز في هولندا.
هكذا وجد روب نفسه بلا ساقين هو الذي كان يذرع شوارع أمستردام بقامته الفارعة وبوهيميته التي يعرفها الجميع، حيث انقطع بعد الحادث عن المقابلات الصحفية واللقاءات التلفزيونية، يجلس في مرسمه في مدينة دن هيلدر الساحلية وهو يفكر بساقيه البعيدتين قبل أن يفكر بلوحته القريبه من أصابعه وفرشاته، يفكر بساقيه اللتين ذهبتا دون عودة الى مكان بعيد ومجهول، مبتسماً بحزن غامض ينعكس على وجوه الناس الذين يرسمهم في لوحاته الجديدة.
من بين كل أعماله الرائعة التي قدمها سخولته يبرز لنا عمله الذي رسمه في اليابان ويعتبر أعظم أنجاز قدمه في حياته، ففي سنة 1991 حصل على تكليف من مدينة ناكازاكي برسم عمل ضخم في بناء خاص وضع في أحد المتنزهات حيث رسم على الجدران والسقوف أيضاً عملاً كبيراً وصل حجمه الى 1200 متر مربع، حمل الكثير من الرموز والتفاصيل، كان العمل يتعلق بتساؤلات حول الحروب في العالم ولماذا تعود الينا دائماً من جديد وبأشكال مختلفة. أمضى عدة سنوات في انجاز هذا العمل بمساعدة بضعة رسامين، وقد افتتح هذا المشروع الضخم سنة 1995 بمناسبة مرور خمسين سنة على إلقاء القنابل على ناكازاكي من قبل الأمريكان، لكن رسامنا لم يستطع حضور الافتتاح بسبب ما كان يعانيه من آلام في ساقيه من جراء الأصابه، وهكذا تتدخل القنابل في كل مرة لتقتل الفرح بالجمال والحياة والحلم.
يُنظر الى أعمال سخولته الآن على اعتبارها الأغلى لفنان مايزال على قيد الحياة في هولندا، هو الذي يعطي دروسا كثيرة وورشات عمل في الفن حيث ينتصب بجذعه على طاولة ويدعو الشباب الى استثمار كل الأشياء التي تقع بين أيديهم ليحولوها الى أعمال فنية راقية وهو يردد جملته الشهيرة (لا تختار الأشياء كونها جميلة أو قبيحة بل اخترها كونها ملائمة لهدفك ويمكنها ان تقول الكثير).
في السنوات الأخيرة أنجز سخولته أعمالاً بمواد مختلفة وظّف فيها أشياء مثل مزهريات قديمة وأنواع من الأقمشة وعلب الثقاب والزهور وحتى الماركات الشهيرة لبعض السلع، ففي السابق كان يختار مواضيعه بعناية ويدرسها ثم ينفذها على قماشة الرسم، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيراً، فهو يكوّم المئات من عيدان وعلب الثقاب فوق بعضها على شكل هرم وسط القاعة ليدعها تتكلم وتروي حكايته مع الفن.
هناك بناية كبيرة تابعة للبريد تحولت قبل سنتين الى متحف باسم روب سخولته، متحفاً رائعاً في مدينة دن هيلدر يضم أعماله ومقتنياته، وهذا المكان ليس بعيداً عن مرسمه حيث يقطع المسافة بكرسيه ذات العجلات وهو يستمع ساخراً الى الصحفية التي تسأله سؤالاً تكرر على مسامعه كثيراً (ما الفرق الذي تشعر به قبل حصول الحادثة لساقيك وبعدها) فأجابها (ليس هناك فرق كبير، فقط في جواز السفر كان مكتوباً، الطول 188 سم والآن مكتوب، الطول 123 سم) .
قنبلة في سيارة رسام
[post-views]
نشر في: 26 يونيو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...