6
البردُ يؤلم الحقولحرماناتُكِ وهي صعبةٌ قاسية، براءتُكِ في النظر الجميل، هدوءُكِ في الرضا والرغبة، السماح المهذَّبُ أمام الاعجاب الخشنِ،والتشهّي النيّئ، والهوسِ في كشف الرغبة..تلكم صارت مَصادرَ اشعاري والغنى النظيف لا نسانيتي ومحبتي العظيمة
6
البردُ يؤلم الحقول
حرماناتُكِ وهي صعبةٌ قاسية،
براءتُكِ في النظر الجميل،
هدوءُكِ في الرضا والرغبة،
السماح المهذَّبُ أمام الاعجاب الخشنِ،
والتشهّي النيّئ، والهوسِ في كشف الرغبة..
تلكم صارت مَصادرَ اشعاري والغنى النظيف لا نسانيتي
ومحبتي العظيمةَ للحياة التي بكل هذي العناياتِ صاغَتْكِ..
اعرف احزانَكِ وانكساراتِ الربيع على الاسيجة
وزَبدَ الهموم البحرية على حافات السُلَّم والممرات الرخامية،
واعرف جرحَ روحكِ مما تريدين وترين!
كل احزان الحياة خَبرْتِها،
أنتِ الاكثرُ رِقّةً، الالذُّ رهافةً وانت الاقربُ الى روحي.
يوماً رايتُكِ صامتةً تُضيئين مثل واحد من مصابيح الضواحي
متألمة من اولائك الذين يُبقون النظامَ القاسي
ويجدون سعادةً في المنع.
هو قدَرُنا، قدَرُ الذين اختارتهم الاضواء. احتمليه،
وان كان بعيداً طريق الناس للفرح
وما نزال نحتاج الى المزيد من الالم والى مزيدٍ من الاصرار
على اضاءة السكون الذي يحيط بالامل.
سعادتنا بالاحتفاءِ كلَّ يوم بالجمال!
ظلي بيننا معافاةً مبتسمة. نحتاج لك.
من حركات يديكِ وكلماتك الدافئة
تنضج العناقيدُ قبل موسمها
والحياةُ بانتظارك كل صباح!
أرى نهارَ اليوم راكداً بحمولته فوق الساحات
والبيوتَ خفيضةَ الانفاس، تتطلع من ابوابها وجوهٌ حَذِرة
وعيونٌ تلتمع وتنطفئ مثل اضواء فنارات.
اشعر بالحاجة الى يد مثل يدكِ نبيلةً تؤاسي بلطف
تعلم ان ثمة من يأسى، من يحب ويخشى
وتقنعُنا بابتسامةٍ: ان الحياة ليست متصلبةً بالكراهة
فلا يهزَّ القلقُ اعصابَكم المتعَبة
وان كان الخوف دائمَ المرور بابوابكم، يتطلّع الى المداخل،
يدُكِ حبيبتي، يدُكِ المشفقة، يدُكِ الرقيقة البيضاء كالنعمة الالهية،
تمتلك سحراً وسحراً فاتكاً اذا شاءت
هي تعيدُ رسمَ الشرفات والحدائق
وتَهدُّلَ الاعنابِ الشُقْرِ على النوافذ.
حبيبتي، يدُكِ تزرع الثقةَ وتعدل الغصونَ التي كسرتها الريح
وفي مرورك المهذب تستقيم الحشائشُ التي داسَتْها العربات.
اما ذلك الذي اعتزلَ في غرفة مهجورة،
فقد جعَلْتِه يفتح البابَ ثانية،
جعلتِه يفكّر بحملِ اللافتة في المسيرة
فهو مشتعلٌ وسط حشدٍ يُعلن التاييدَ للحياة،
يُعلنُ الاسنادَ والدفاع المستميتَ عن سلامتها
فسماؤنا المشوّهة بدأت تُسقِطُ رمادَها بعيداً في الرياح،
لتشرق وجوهُ الناس في شمسٍ نظيفة
بعد ان سئمتْ خمولَ الحُجَرِ المغلقة وغسلتْ مطْرةٌ من لهبِ الله
كلَّ الازهار التي نبتت في الخرائب.
حبيتي، هل تصدقين بان كلَّ هذه الافكار،
كلَّ هذا الربيعِ والقوة في الكلام،
كلَّ هذه المساحاتِ المشمسة، كلها فاجأتني مباشرة بعد ابتسامتِكِ؟
وانا انتظركِ، رحتُ اقلّبُ الحشائشَ في جوار المقهى والفروعَ الميتة
لاشجار الكالبتوس كأنكِ موجودةٌ في كل مكانٍ انظر اليه.
مجدُكِ انكِ متغلغلةٌ في الحياة، في كل ما انظر اليه
وفي كل ما المسُه أو أتفقّدُه، او أقّبلُهُ سراً خشيةَ ان تراني الناس،.
متى يدخل فرحُنا وشوقُنا وكل هذا الازدهار لحبِّنا؟
متى يدخل البيوتَ الفقيرةَ والقلوبَ الفقيرة
وحياةَ الناس التي احدَثَ الشرُّ في جلدها الرقيق شروخاً
تسرب منها الرحيقُ والكلماتُ الجميلة
وتسرّبت منها بطيئةً آمالُهم....؟
ماذا نفعل ياحبيبتي،
يامن تجلُّ نفسَها فلا تشتم الرداءةَ في الطريق وتجلُّ الحياةَ
فتمنحها موافقاتٍ على الألم وشِعراً في ساعات القسوة؟
تنسى نفسَها حبيبتي وتُفكّر بالبرد الذي يؤلمُ الحقول.
وانسى نفسي وأنا اتابع كيف يشرب النهارُ سمومَ المساء...
عفوا حبيبتي،
تذكرت حياءك الخفيفَ وانت مبتسمة تقطعين الكلام!
السماء ليست زرقاء
الحياةُ مُتعِبةٌ في بلادنا، نفرح اذا رأينا فسْحةً جميلة،
طريقاً محتفظاً بربيعه، عاشقين خَتَما حديثهما بقبلةٍ
نحسُّ من بعيد حرارتها وارتجافها.
المللُ رسم على الوجوه خرائطَ والحزنُ لا يبتعد كثيراً،
خطوات ويعود.
نقرأُ كتاباتِ ناسٍ بعيدين، لجمال ما يتحدثون عنه.
الفردوس ليست بعيدة،
لكن نهارنا للأسف منكسرةٌ كرامتُه وليلُنا سفنٌ منكفئة.
ونحن في بلادنا فقراء الى كل شيء نظيف،
الهواء والماء والكلام.
وفي أي لحظة، حتى في الصحو، قد يُقْطَعُ الطريق.
كل واحد طيبٌ أعزل. اعزلُ من كل شيء،
من المال والسلاح والمستقبل.
وعلى ما يحملُ من بؤسٍ في الروح والجيبِ وخزانةِ الثياب..،
يحملُ أخطاءه التي أرغمه عليها عثارُ الطريق وعثارُ العيش.
وهو بعد ان يخلع ثيابَ العمل متعباً آخر النهار،
يتوقف يطلب الغفران ويسَأل نفسَهُ والله:
متى ينتهي بؤسُنا ويمرُّ الهواءُ النديُّ على الحقول..؟
لكن لنا في بلادنا خبزاً آخرَ نقتاتُ به،
يمنحنا بعد التعب روحاً وحضوراً نظيفاً ومعنى.
ففي أزقة المدن وفي السجون والمشافي
نسمع ونرى قصصَ حبٍ ونسمع تضحياتٍ سريةً بالروح.
وان كنا نسمع ايضاً خيانات..
سماؤنا ليست زرقاء ونهرُنا مهموماً يكاد لا يستطيع يسير.
في حدائق الفقراء في الريف الذي ينهكُه الملح،
وفي ازقة المحلات الرطبة
وفي الدكاكين والقصور وبيوت الله
يختلط البغاء والصلاة والنذور
والخمرُ المهرّبُ ومجالسُ الوعظ والسرقات.
لكن هناك ايضاً جمالٌ نادرُ الحضور يمنح الناس سعادات.
كم من قصص الحب في البلاد وكم من رواةٍ لها وأساطين.
وإذا أوشك الشرُّ ان يقحم السداد،
يهبّون جميعاً يطردون الشرَّ عن البلاد,
صوتٌ يتصل بصوت وطريقٌ بطريق ويتّحدُ بالريح الكلام.
لكن الشر عادةً اكبرُ, مسلحاً يجيء
يمدّ أذرعَهُ المرقّطة الى كل الجهات.
مخبزُ المحلة انطفأ ذهبُهُ
والخباز جالس قربه ينتظر هو ايضاً أن ينطفئ.
لا يدري احدٌ من أين انبثقت القوةُ وشعّتْ في الوجوه اليابسة,
الأعداءُ على التلال يموتون.
لا أحد في بلادنا لم يكن بطلَ قصةِ حب.
اَلاف القصص لاتُروى. لو ظهرتْ كلها, لوجَدَ الكونُ مسّرات!
الحب وحده الذي ما افتقدناه,
هو حاضرٌ في جميع البيوت,
حاضرٌ كل يوم وكلُّ قصةٍ لها استمرار.
يا الهي ماذا ارى هناك؟
دمٌ في الطريق وجنديٌّ قريبٌ منه يولِعُ سيجارته!