مناجيات مع كازانتاكي

16
في مدينة أنتيب الفرنسية ،وأنت لاتزال بحاجة الى جواز سفر، تشتري بيتا مهدما صغيرا جدا كان بيت صيادين فترممه وتسكنه مع إيليني وتسميه (الشرنقة) فهو ضيق مثل جلد الانسان على جسده، وكنت تقول (هذا ينفعنا في برد الشتاء القاسي ندخله كالدودة ونخرج منه محلقين كالفراشات). في الشرنقة زارك فنانون وكتّابٌ ومخرجون، ووصلت كتبك التي شحنها أصدقاؤك من بيتك في جزيرة إيجين وحسدتك على أصدقائك فأنا شخصيا لم أجد صديقا واحدا يأتيني بمخطوطاتي وكتبي وأوراقي بعد أن أرغمت على الهجرة من بيتي، لك أن تحمد الآلهة لأنك حظيت بكل هؤلاء الأصدقاء الأوفياء.
وكنت تعاني من مرض غامض يظهر بشكل فورات جلدية ودمامل، لم تكن تعلم أنك مصاب باللوكيميا، في هذا الوقت زارك شاب اسمه عزيز عزت تحدثت عنه في مناجياتنا السابقة فمن هو عزيز هذا ؟؟
- إنه شاب جميل الطلعة أسمر البشرة مصري المولد، يسكن في مدينة أكس أون بروفانس ويصدر مجلة ممتازة باللغة الفرنسية اسمها (الدلافين الاربعة).
- تحاورتما طويلا وحدثته عن حياتك..
- أجل لقد سحرني هذا الشاب المتحدر من أرومة عربية فهو يجيد اللغات الألمانية والانكليزية والفرنسية والايطالية بشكل عميق، أعجبتني فيه روحه الثورية المتوثبة النازعة الى التصوف، وأهديته كتابي ( تصوف).
تكتب ايليني أن عزيز عزت كتب دراسة بيوغرافية - سيرة- عنك واعتبرتها من الكتب الناجحة والمهمة في ميدان سيرتك ..
- إعجابه بعملي وحياتي ومعاناتي دفعه ليكتب هذا الكتاب بعد وقت طويل من لقائنا ذاك.
- ماذا تعلمت من كل حياتك ولقاءاتك ورحلاتك وكتبك؟
- تعلمت أن الإنسان مازال قادرا على إنزال المعجزة إلى الأرض، حسبنا أن نتجاهل الدرب المستقيم المسطح الذي يفضي الى السعادة ونختار الدرب الصاعد الوعرالذي يقود الى المستحيل.
- هل فاجأك القدر بجزاء جميل بعد مشاكسات طويلة؟
- أجل، فبعد مكائد أدباء اليونان ومحاولة الكنيسة تجريمي نالت رواية زوربا جائزة أفضل كتاب أجنبي منشور في فرنسا ونشر كتابي عن القديس فرنسيس على حلقات في أفضل صحف أثينا.
- ما كان رد فعلك على هذه الأمور المبهجة؟
- كنت اتابع من عزلتي المشمسة أهواء البشر بذهول واشفاق، وأواصل عملي : الحلم بانسانية أفضل محاولا التعبير عن حلمي لاعتقادي بأنني أساعد الحلم على التحقق.
- في أي كتاب من كتبك عبّرت عن روحك ؟؟
- عبرت في كتابتي الحديثة للأوديسة عن روحي كلها، عن الشعلة والنور المنبثقين من عناصر جسدي، أما أعمالي الأخرى فأعتبرها ثانوية..
-هل جرت ترجمة الأوديسة الى لغات أخرى ؟
- أجل فقد قام ناشري الأميركي بعمل مذهل اذ أوفد الشاعر الأميركي فريار ومنحه راتبا كبيرا ليرافقني ستة أشهر من أجل فهم الأوديسة وترجمتها وأرهقتني المشاركة في عملية الترجمة وفي هذا الوقت اكتشفوا اصابتي باللوكيميا اللمفاوية وكنت أخضع للعلاج أربعين يوما كل عام.
-ومع ذلك كنت تمضي في الكتابة..
-نعم شرعت في كتابة كتابي ( إنه يقول- إنه يريد الحرية- اقتلوه) وفي داخلي تغلي ثلاثة كتب أخرى تنتظر الخروج الى النور ، كنت أفكر اني سوف أموت وفي داخلي كتب كثيرة.
- ألست طوباويا لتقول: لابد للشر أن يرضخ في الأخير الى قوة الخير المطلقة والبطيئة والأكيدة؟؟
-لو لم يكن هذا القانون الغريب هو الذي يقود مصير الانسانية لانهزمت الروح أمام المادة واختنقت الحرية والسلام بالخوف الأكبر.
 يتبع