فوجئ جمهور شارع الفراهيدي، شارع الثقافة البصرية ليلة الجمعة بزيارتين متعاقبتين في ليلة واحدة قام بها رئيس المجلس صباح البزوني وثانية قام بها المحافظ د. ماجد النصراوي ولا يفصل بين الزيارتين سوى ثلاثة أرباع الساعة، في خطوة عدها البعض عناية من الحكومة المحلية بالثقافة وشارعها ورواده، ومهما يكن في الأمر من الزيارتين فالجمهور يتطلع إلى مزيد من الرعاية للشريحة الوحيدة التي لم تتلوث أيديها بالمال الحرام ولم تأكل لقمتها إلا مغموسة بالولاء للوطن والاخلاص لقيم الانسانية. إلا طاهرة، عفيفة من كل دنس حزبي وطائفي ومناطقي. الشريحة التي لو أشركت بقوة في إدارة الدولة لما كنا على ما نحن فيه اليوم من تقتيل وفساد وكراهية.
في الاسبوع الماضي قام أحد رجال الأعمال، من المحبّين للثقافة (صادق جعفر العلي) أبو داليا بالتبرع من ماله الخاص، لإنارة شارع الفراهيدي كله، فتدلت عشرات المصابيح من الاعمدة المتباعدة على الرؤوس والكتب والعشب الاخضر وبدلاً من استعانة أصحاب المكتبات والمتبضعين بإضاءة تلفوناتهم النقالة صار بمقدورهم الآن رؤية بعضهم وكتبهم بفعل المبادرة الكريمة من الرجل.
الزيادة المضطردة اسبوعيا في عدد رواد الشارع امر لافت للنظر، فقد صار بحكم التقليد ان نرى العديد من الاسر البصرية المحبّة للثقافة والمتعطشة للمعرفة والحضور المدني وهي تسارع لتتخذ لها مكانا في الفسحة العشبية الصغيرة، او لتتجول رائحة وغادية على الممر الوحيد الذي ينصف الحديقة(الشارع الثقافي) من هنا تأتي أهمية زيارة المسؤولَين الحكومييَن. قال المحافظ في حوار مع عدد من أصحاب المشروع(جماعة إنجاز) بان البلدية ستقوم بجعل الشارع اكثر ملائمة للفعل الثقافي، حيث وعدهم بانها(البلدية) ستقوم بنصب أعمدة حديدية حوالي الشارع ثم ستعمل على تسقيفه بالنسيج الأخضر للتخفيف من اشعة الشمس، وستعمل على إضاءته بشكل جميل، وأمر البلدية بجلب مصاطب وكراس ومناضد واكشاك تعمل ككافيتريا وكذلك لجلب كرفانات وحاويات جديدة تحفظ فيها الكتب وكل ذلك من أجل خدمة أصحاب المكتبات ورواد الشارع هذا.
نكتب التفاصيل هذه لكي نؤرخ للمحافظ زيارته الكريمة هذه، وأيضا لنلزم بلدية البصرة بما امرها به الموظف الأول في الحكومة، ولكي يعلم جمهور الثقافة كذلك بان الحكومة الدينية في البصرة قد تبدو يوما محبة للثقافة، وأن زيارتها للشارع الثقافي لم تأت للاستعراض والمزايدات السياسية، إنما جاءت لضرورة قصوى تقتضيها المَدنية وتُلزمها قوانين التحضر والرقي، وقد اكدتها في رؤيتها لنخب المدينة وكبار مثقفيها وأصحاب الرأي والفكر وهم يبحثون عن كرسي بلاستيكي يريحوا عليه عناء تجوال اجسادهم. وهنا ننقل للسيدين رئيس المجلس والمحافظ الحسرات الكثيرة والتأففات العالية واللغط الكثير الذي تثيره زيارتهما بين رواد الشارع وعموم ابناء المدينة، من الذين زاروا العالم والذي ادناه وملخصه يكمن في المقارنة بين الصروح والمعالم الثقافية الهائلة والكبيرة في عموم مدن وضواحي جمهورية إيران (الاسلامية) وبين فقرها وإنعدمها والحاجة لها في البصرة وعموم جمهورية العراق (الديمقراطية) الأمر الذي يضاعف من طلبهم في رعاية وعناية أكثر. حتى أن اكثر من واحد صاح بأعلى صوتهم: لا نريد تجارب أوروبية لحياتنا فهي محرمة من وجهة نظركم إنما نريد نقل التجربة الإيرانية في الثقافة.
تحدثني الشاعرة الإيرانية مريم حيدري حين التقيتها في طهران الشتاء الماضي عن أكثر من 90 معهداً للسينما في طهران وحدها، ويحدثني الفنان التشكيلي عبد العزيز الدهر الذي زار إيران زيارة فنية اقتصرت على زيارة المتاحف والقاعات والمعالم والنصب هناك، فقال يصف ما شاهده بما يشبه المعجزة. أما الذين يتحدثون عن الحياة المدنية والثقافية والتحضر والعناية بقيم الجمال واهمية ودور الفعل الثقافي في الحياة هناك، وعن علاقة السينما والمسرح وقاعة عرض الفنون التشكيلية في خلق المواطن المخلص والإنسان كامل الإنسانية، غير المتشدد، ولا المتخوف ولا المتعصب ولا المتشنج ولا المنتمي بديماغوجية للعشيرة والدين والطائفة. كل ذلك بفعل الثقافة، لا بفعل الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق.
فيا محافظ البصرة ويارئيس المجلس ويا حكومة البصرة بعامة لا تذهبوا بعيداً، لا نريد منكم شيئاً مما في بلاد (الكفر) من اعاجيب، إنما انقلوا لنا بعضا مما تعمله حكومة الولي الفقيه للثقافة، كيما نشكركم مرة واحدة، كيما ننسى بعضا من الخراب الذي نحن فيه، ولم تنتبهوا اليه منذ 12 سنة واكثر.
حكومة البصرة في شارع الفراهيدي
[post-views]
نشر في: 27 يونيو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو اثير
سياسيونا ناجحون في نقل النظريات والأهداف السياسية والتوجهات الجمهورية ألأسلامية فقط ولو عندي ملاحظة على كلمة أسلامية لأن ثورة الشعب ألأيراني المسلم ضد الشاه ونظامه ولم يكن نظام الشاه غير أسلامي بل كان يتمتع بحرية ألأديان ... المهم نرجع الى موضوعنا لقد نجح