TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غياب الجامعات عن عالم السياسة والادارة

غياب الجامعات عن عالم السياسة والادارة

نشر في: 27 يونيو, 2015: 09:01 م

حضرت تجمعا طيبا لساسة ومشرعين وناشطين واكاديميين يناقش مسودة جديدة لقانون الاحزاب جرى تدوينها في رئاسة الجمهورية، ومما يثير الاطمئنان اليها وجود شخصيات جيدة في لجنة اعدادها منهم النائب السابق والقانوني امير الكناني، وهو رجل معروف بالحكمة والتعقل وله مواقف مشهودة في الوقوف بوجه سياسة الارتجال في عهد نوري المالكي.
ومن الطبيعي ان يحتدم النقاش حول هذا الموضوع، فهو حاسم لدرجة اننا لا يمكن ان نمتلك دولة بدون تنظيم قواعد العمل الحزبي. وبالمقابل فان البعض يخشى ان يكون تنظيم العمل ذريعة لمحاصرة النشاط السياسي ومتطلباته حتى ان بعضهم علق على مسودة سابقة في هذا الاطار بالقول، انها لو اقرت في البرلمان فستضطر الاحزاب للانتقال من النشاط العلني الى النشاط السري!
وابرز النقاط التي اختلف حولها هي الجهة التي تتولى تنظيم العمل الحزبي، فهناك من كان يقترح وزارة الداخلية او العدل كنوري المالكي، بينما ذكر خصومه ان هذا سيجعل الاحزاب المنافسة تحت رحمة رئيس الحكومة والوزير. لذلك حاولت نسخة امير الكناني ان تربطها بدائرة تستحدث في مفوضية الانتخابات وتكون مختصة بتسجيل الاحزاب ومتابعة انطباق عملها مع القانون.
كما ان النقطة الاخرى المثيرة للجدل هي تمويل الدولة للاحزاب، فكيف سيحصل ذلك وكيف نحدد التفاصيل الحساسة لقصة مال وسياسة؟ وهل ندفع للحزب الفائز ام الخاسر؟
لكن ما كان غائبا عن الجدل هذا، هو نقص يصيب معظم سجالاتنا السياسية، واعني به البحث التاريخي. ففي البلدان نصف المتقدمة، يقوم الباحثون والاكاديميون بتناول مشاريع القوانين بالنقاش عبر الصحف والمجلات التخصصية والندوات، بحيث تكون بين يدي المعنيين مقارنات تاريخية وافية تسلط الضوء على ما قامت به المانيا واميركا وماليزيا مثلا، في التعامل مع تنظيم العمل الحزبي او اي مشكلة سياسية بهذا الحجم. اما الطريقة العراقية في النقاش فهي في الغالب، "تبدأ من الصفر" وتحاول ان تقوم بالتجريب، دونما استيعاب بما يكفي لتجارب ناجحة اقليميا ودوليا.
والامر لا يقتصر على مناقشات قانون الاحزاب، بل اننا نتصور ان الاحتراب الاهلي والانقسام الدموي، مشكلة خاصة بالعراق، ولذلك نحصر انفسنا في نقاش يكاد يكون عقيما حول المتسبب والبادئ وما الى ذلك. بينما لم نبذل حتى الان جهدا كافيا للاطلاع على النزاعات والحروب الداخلية التي شهدتها دول مهمة خلال اخر ثلاث قرون، كي نحاول فهم القواعد التي تتحكم باندلاع النزاعات وانتهائها، ونكون على بينة من السيناريوهات الممكنة في هذا المجال. وقل مثل هذا عن محاولتنا امتلاك قانون مطبوعات صحيح وناضج ينظم وضع الصحافة والاعلام، الفوضوي ولاشك، والذي يلجأ القضاة لتنظيمه، الى قوانين عتيقة لا تمثل مرحلة الانفتاح المفترض الحالية.
ان العلاقة بين الوسط الاكاديمي المتخصص، والوسط السياسي التشريعي او التنفيذي الاعلى، هي احد مفاتيح الانتقال الى مرحلة التعامل الناضج مع الازمات. وطالما بقينا بدون استشارة وافية لكا يقوله الدرس العلمي والتاريخي، فاننا سنكرر ما حصل خلال اخر ١٢ عاما من المراوحة في المكان نفسه. ومع الاسف فان امتلاك مركز ابحاث يتسح هذه المتطلبات، هو مهمة لم يتصد لها البرلمان ولا الحكومة ولا الجامعات، والامر لا يقتصر على تقديم استشارة سياسية او قانونية، بل لايمكن ان تزدهر الاعمال والمصالح الاخرى في التنمية والبناء، دون ان تزدهر الافكار في الجامعات ضمن الاختصاصات المعنية، والامر يحتاج بالضرورة، انفتاحا على الخبرات الاجنبية التي اكتلكت من التجارب ما يساعدنا في الفهم بشكل حاسم، وهي تجارب تخبرنا ان عدم التواصل مع الاجانب، وتجاهل تنوع التجربة الانسانية، هو امر قاد الامم والممالك الى الانكفاء والتقوقع ثم الخراب، نتيجة فساد الافكار ونقص المراجعة والتصحيح الذاتيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. قاسم عبد الله

    بارك الله فيكم يااستاذ سرمد ، حفظكم الله ....

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram