أحمد فاضلعندما تُعرض هذه التجربة ألأدبية ألفريدة والغريبة على ألوسط ألثقافي كأنما هو ولوج غيبي لممرات مبهمة عاشتها مرحلة أشبه بالإعجاز عرفها ألوسط ألثقافي لحظة ولادتها وتلقفها بشيء من ألريبة والخوف لكنها تمخضت عن فرادة أدبية معمقة إبتدعها إثنان من كبار ألروائيين ألعرب ،
أحدهما جاء حاملا غصن ألزيتون من بيت لحم عام 1948 مكبلا بسلسلة طويلة من الآلام ألتي إجترحتها عليه نكبة كبيرة هي ضياع فلسطين ، والثاني أطل من نجد وزحف حبوا إلى بغداد مارا بكل هموم أمته حتى إذا ما إستقرفي ربوعها وجد نفسه طريد ( حلف بغداد ) عام 1955 فرحل بعيدا إلى ألقاهرة يجر خلفه جبلا من ألهموم . جبرا إبراهيم جبرا وعبد ألرحمن منيف إثنان عبرا ألحدود بحثا عن ألحرية ، عن ألأمان ، عن هواء نقي يتنفسانه ، لكنهما وجدا سلسلة طويلة من أللاءات تعترض سبيلهما فعادا يتلمسان طريقا آخرا لحياتهما. جبرا إبراهيم جبرا ألمولود في بيت لحم عام 1919 عاش ذل الإحتلال ألبريطاني لبلاده وعندما شاهد أليهود يقتلعون أشجار ألزيتون ليقيموا عليها مستعمراتهم أيقن أن تراب فلسطين اصبح مأسورا كما هو أسير ، فحمل نفسه ألمقهورة صوب ألعراق . وصل جبرا بغداد عام 1948وهو عام ألنكبة ، ولما كان يحمل مؤهلا عاليا وفكرا نيرا لذا وجد نفسه منخرطا في ألحياة ألثقافية ألبغدادية ، يدفعه ذلك ألتوقد ألفكري ألوهاج وتلك ألطاقة ألجبارة ، ومن يتأمل سيرته وحياته يلاحظ أن كل لحظة من لحظاته تلك هي بمثابة تعويض لما فاته وهو رهين الإحتلال . في عام 1949 يكتب عن ( ألذروة في ألأدب والفن).ويتتبع فكرة ألذروة وجوهر معناها في ألرواية والموسيقى والقصيدة والقصة ألقصيرة والمسرحية واللوحة ، يقول ألفنان ألتشكيلي ألراحل شاكر حسن آل سعيد في كتابه ( ألقلق وتمجيد ألحياة ) ألصادر عام 1959 : ( وأصبحنا نحن ألشباب ألخمسيني ألمثقف وقتئذ نجد في جبرا مصدرا من مصادر الإشعاع ألثقافي ألذي لم يألفه ألمثقفون من ذي قبل وقد عرفنا أيضا أنه كان من خلال ثقافته ألعميقة ألجذور وفكره ألنيّر ، يرسم صورة مثالية عليا لطلابه أيضا ) . كان جبرا يُدرّس ألأدب الإنكليزي في إحدى ألجامعات ألعراقية وهناك تعرف على ألحياة ألفكرية والأدبية ألتي كانت بغداد ألخمسينات من ألقرن ألمنصرم مشغولة بها بسبب مجموعة من ألمثقفين والفنانين ألذين أنهوا دراساتهم ألعليا في أوربا وأمريكا ، وحاولوا أن ينقلوا تلك ألثقافات إليها ، فتعرف على ألفنان ألكبير ألراحل جواد سليم وأنشأ معه( جماعة بغداد للفن ألحديث ) عام 1951 وكتب مقدمة ألمجموعة ألشعرية ألمبكرة ( أغاني ألمدينة ألميتة ) للشاعر بلند ألحيدري ، وأثرت صداقته للشاعر ألكبير ألراحل بدر شاكر ألسياب في تأثرهما ببعضهما وانعكس ذلك على رحلتهما ألشعرية والرسائل ألمتبادلة بينهما ، وإلى ذلك كان لنتاج جبرا نفسه من رواية وقصة قصيرة ورسوم وترجمة أثر كبير في ألأجيال ألعربية أللاحقة . لكن ألحدث ألمهم والأهم في ألساحة ألثقافية ألعربية هو لقائه بالروائي ألعربي ألكبير عبد ألرحمن منيف ومن حُسن حظ هذه ألثقافة أن يجتمعا في قمة أدبية لن تتكرر ثانية فكانت رواية ( عالم بلا خرائط ) هديتهما إلى ألقارئ والمثقف ألعربي ، وأعجب ما في هذه ألقمة أنهما كانا يتقاسمان سوية همّ وعذابات ألمنفى إضافة لتقارب أفكارهما وحياتهما ، فقد ولد منيف في ألأردن عام 1933 من أب سعودي وأم عراقية وقد كشف في كتاباته عاهات ألأمة وآفاتها وفضح ألتخلف والفساد وإهدار ألثروات ألهائلة ألتي ينعم بها ألعرب فانتزعت جنسيته ألسعودية لتقاطعه ألمعلن مع ألفكر ألماركسي وقد لخص تلك ألمآسي في خماسيته ألملحمية ( مدن ألملح ) ثم ( ألأشجار وإغتيال مرزوق ) ألتي أصدرها ببيروت عام 1973 و ( ألكاتب والمنفى ) و ( أرض ألسواد ) وهي ثلاثة أجزاء ملحمية عن ألعراق وكتاب ( ألديمقراطية أولا والديمقراطية دائما ) . كان لتواجده في ألعراق بعد إلتحاقه بكلية ألحقوق عام 1952 وإطلاعه على ألحركة ألثقافية ألتي كانت تمور بها بغداد بألوان ألمعارف ألأدبية والفنية وإقترابه من أسياد ألكلمة وإعجابه بهم خاصة ألذين كانوا يشغلون ذلك ألوسط بآرائهم وأفكارهم وكتبهم ومنهم جبرا إبراهيم جبرا ألذي أعجب به أيما إعجاب ، لكنه بعد عامين من إنتقاله للعراق طرد مع عدد كبير من ألطلاب ألعرب بسبب مواقفه وآرائه فواصل دراسته في جامعة ألقاهرة ثم تابع دراسته ألعليا منذ عام 1958 في جامعة بلغراد والطريف أنه حصل منها في عام 1961 على درجة ألدكتوراه في ألعلوم الإقتصادية وبالذات إقتصاديات ألنفط وهو ألتخصص ألبعيد جدا عما كان يحمله من مهارات أدبية لكنها ألعبقرية حينما تتجسد لتجتمع حولها كل ألعلوم . كان لقاؤه ألثاني بجبرا في بيروت حيث تحقق حلمهما بكتابة رواية مشتركة أصبحت شيئا فريدا في عالم ألثقافة والأدب ، فقد شهد ألعام 1973 إجتماع ألقمة بينهما فتمخض ذلك أللقاء ظهور رواية ( عالم بلا خرائط ) وهي ألرواية ألتي رسمت لنا عالما خياليا بالكامل ولكنه عالم فريد وثري مشحون بإسقاطات سياسية وفنية تجعله في قلب هذا ألعصر ألنابض بالتحولات والإضطرابات . في مقدمة لناشر ألرواية يقول : ( تتداخل ألأسئلة والأجوبة قي هذه ألرواية ، بحيث يصعب ألقول أحيانا أيها هي أ
جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف ..شراكة روائية في (عالم بلا خرائط)!
نشر في: 1 يناير, 2010: 05:16 م