TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > جبرا ابراهيم جبرا والرواية العراقية

جبرا ابراهيم جبرا والرواية العراقية

نشر في: 1 يناير, 2010: 05:17 م

سامي البدري نحى الروائي جبرا ابراهيم جبرا منحى متفردا في دراسة البنية الثقافية والثقافة الاجتماعية للمجتمع العراقي من خلال تشريح ودراسة طبقته الارستقراطية .. وكان هذا المنحى بمثابة (اقتراح)على المثقف العراقي لدراسة البنية الاجتماعية والثقافية لمجتمعه من خلال دراسة أحوال وثقافة وطرق تفكير الطبقة المتنفذة في المجتمع ،
 وهذا على الضد مما درج عليه ـ ومازال ـ المثقف العراقي (شاعرا وناثرا) في دراسة المجتمع وبنيته الثقافية وتشخيص علله من خلال عرض اوجاع طبقات المجتمع المسحوقة او الطبقة المتوسطة . في البداية ،لابد من الاشارة الى ان الادب العراقي عام 1948 (عام وصول جبرا الاديب الفلسطيني الى العراق) لم تكن حصيلته الروائية والقصصية تستحق الذكر،في المعيار النوعي والكمي على حد سواء. فقد كانت الرواية العراقية ماتزال في اولى خطواتها الخجلة والقائمة على فكرة التسلية ومخاطبة المشاعر ؛من دون الالتفات الى زاوية (مسؤولية) الفن القصصي في عملية التأثير الثقافي ،واقتراح واعادة النظر في البنية الثقافية والفكرية للمجتمع ؛وبالتالي الاسهام في اعادة تشكيل البنية الاجتماعية والثقافية لعموم المجتمع والتنظير (فكريا) لمستقبله ككل . دخل جبرا المسلح بالثقافة الحديثة ـ خريج الجامعات البريطانية ـ الى المجتمع العراقي (غازيا) طبقته الارستقراطية لعدة اسباب ،لعل اولها رؤيته الخاصة القائمة على تفضيل دراسة المجتمع من خلال مادته (الغنية) و(الدسمة) ،الطبقة الارستقراطية ،لما تنطوي عليه حياة هذه الطبقة من غزارة في (البنية التحتية) ماديا وثقافيا وسلوكيا ،وكمرآة عاكسة لبنية المجتمع ككل . ،ولحفاوة هذه الطبقة بجبرا وما جاء به من ثقافة واجواء الجضارة الحديثة من حياة المجتمع البريطاني وجامعتي اكسفورد وكامبرج اللتين درس فيهما ثانيا .،وبسبب نرجسية او التركيبة السايكيولوجية لجبرا الانسان والاديب ثالثا . بدءا، لابد من لفت نظر القارئ الى ذوبان جبرا في الحياة والثقافة العراقيتين ،قبل الاشارة الى سعيه للتأسيس لرواية عراقية تستوفي شروط العمل الروائي ـ الابداعي ،شكلا ومضمونا . ورغم ان جبرا طرح ابطاله ـ كانوا نسخا كاربونية لشخصه في اغلب الاحيان ـ على نمط البطل الاعجوبة الذي حظي باعجاب وتدليل الطبقة الارستقراطية العراقية ككل ،وحب وتدله نسائها بشخص الاعجوبة الحضارية (المثقفة) في قاعات واروقة وحدائق واجواء لندن وجامعاتها . الا انه ،وبالمقابل ،وضع يده على الكثير من اشكالات ومشاكل المجتمع العراقي ، وشخص معوقات نهضته الثقافية ،من خلال تشريح ما اطلق عليه العلامة علي الوردي : (الثقافة الاجتماعية) . لم يهضم طرح المرحوم جبرا من مجايليه العراقيين ،بدراسة المجتمع العراقي من خلال دراسة او تشريح طبقته الارستقراطية التي كانت متنفذة في اغلب مناحي حياة المجتمع ،وهذا ربما بسبب محدودية عدد من تصدوا لكتابة هذا الفن الجديد ،او ربما بسبب عدم امتلاكهم لجرأة جبرا ،الذي حمته جنسيته الفلسطينية من انتقام من رجالات تلك الطبقة ،المتنفذين سياسيا واقتصاديا ،جراء فضحه لحقيقة نماذجهم وسلوكياتها الملتوية وتهتك حياتهم داخل قصورهم الفخمة ،وربما بسبب جهل كتاب الرواية والقصة ،ذوي الاصول الطبقية العمالية والمتوسطة ،بحياة تلك الطبقة المنعزلة نسبيا عن حياة ووا قع باقي شرائح المجتمع ،بحكم الغنى المادي والجاه الاجتماعي والسطوة السياسية، وربما ،ولاسباب سياسية ورقابية ،لم يقترب الاديب العراقي من تناول الاخذ بالطرح (الجبروي) ذاك ،حتى في عقدي السبعينيات والثمانينيات ،باعتبارهما مثلا ـ من الناحية التكنيكية ـ مرحلة نضج نسبية لفن الرواية العراقية ،مثلما مثلا مرحلة ازاحة وتذويب هيمنة تلك الطبقة ،لاسباب سياسية صرف ،باعتبارها كانت ترمز لعهد الاقطاع والاحتكار والتسلط والتحكم الجائر بمصير عموم ابناء الشعب من الفقراء ،وخاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ،الاصول البرولتارية والفلاحية لعموم ضباط الانقلابات العسكرية التي اطاحت بالحكم الملكي والطبقة الارستقراطية ،نتاج نظام وظروف فترة حكمه . اميل في ارجاع سبب رفض الطرح الجبروي من قبل الادباء العراقيين ،واستنادا الى نتائج بحوث العلامة علي الوردي في حقل علم الاجتماع ،والتي اتخذت من تشريح ودراسة طبيعة المجتمع والفرد العراقي مادة لها ،الى كره الاديب العراقي ،وهو من اصول عمالية ومتوسطة في اغلب المراحل ، للطبقة الارستقراطية ،باعتبارها مثلت وجه حالة القهر والحرمان لعموم المجتمع ،في المراحل التي سبقت انقلاب 14 تموز 1958 . ولذا فان الاديب راى في الكتابة عن الطبقات المسحوقة واستعراض معاناتها ،جزءا من واجب الوفاء الوطني وتعجيلا بنهاية تلك الطبقة التي قهرت وتنفذت واستمتعت لعقود طويلة .. وبالتالي ،تحميلها مسؤولية تخلف وحرمان الشريحة الاعظم من ابناء المجتمع . ورغم تحجيم دور ونفوذ وثروة تلك الطبقة بعد انقلاب 1958 من خلال قانون الاصلاح الزراعي وعملية تأميم بعض ثروات تلك الطبقة ،تحت شعار ،من اين لك هذا ؟ الذي رفعه قادة ذلك الانقلاب ،فان تجاوز واهمال الاديب العراقي لـ (تراث) و(ثقافة) ودور تلك الطبقة لايعني القضاء على دورها ونفوذها الاجتماعي والاقتصادي واثرها في الحياة العامة ومفاعيلها ،وانما هو كان اهمالا سلبيا ،لم يكن له

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram