اسعد محمد علي في رواية البحث عن وليد مسعود للكاتب المبدع جبرا ابراهيم جبرا نجد او نقف عند ملاحظة حيث ان النثـر عموماً يفتقر الى هارمونية”التركيب الصوتي“ التي تعتمدها الموسيقى في التعميق والتكثيف. لهذا نجد الرواية تستعيض عن الهارمونية بالاتساع الافقي المتمثل بجوهر الاسلوب”البولفوني “
رغم ان هذا الاسلوب يتشكل بالتعاقب ويستعيض ايضاً بفن التحاور اللحني ”رغم عدم تركيبته الآنية في النثـر“ وكلا الاسلوبين البولفوني والتحاور يكونان البديل عن الهارمونية، وقد اتخذ كل من هرمان هيسه واندريه جيد هذا البديل في بناء روايتيهما، لعبة الكريات الزجاجية والمزيفون، رغم ان اندريه جيد كاد يجعل من التحاور هارمونية نثرية، ان صح التعبير لكن محاولته، مع ذلك جاءت بتعاقب زمني”توالي“ ذي ايقاع متسلسل، اي انه عرض حدثاً الى جانب حدث آخر متباين، او فكرة الى جانب فكرة مختلفة عبر تسلسل واضح وليس عبر تركيبة”جامعة“ لأبعاد الحدثين والفكرتين في آن واحد، مع تحقيق تأثير الحدث الاول بالذي يليه من حيث العلاقة الروائية، وفي رواية البحث عن وليد مسعود يتضح البديل نفسه: الامتداد الافقي، عرض ابعاد الموضوع عبر اصوات وايقاعات متباينة، متوالية، متداخلة، حيث استعاض الروائي عن الهارمونية بالايقاعات المتغيرة عبر الفصول من جهة، وبتعدد الاصوات ”الشخوص“ من جهة ثانية، فكان المحور”وليد مسعود“ صوتاً بارزاً في الرواية ساعد على”تعميق“ الموضوع من خلال استعادة الماضي: الولادة، ذكريات الكهف البعيد، الصفحات الاولى من سيرة وليد مسعود، اختراق امطار تتجدد، فيما كانت الاصوات الاخرى بمنزلة خطوط ”بولفونية“ تداخلت بوشائج ” فنية“ ببعض وامتزجت بالحدث الرئيس مضيفة عليه الوسع ”الافقي“ رغم ان مهمتها كانت تحقيق ”التنويعات“ من خلال الايقاعات المتباينة ومسارات العرض، واخيراً استنفاد الابعاد وتجسيد البناء العام للرواية، فذلك العمق الحدثي- الزماني كان بديلاً للهارمونية،وهذا الوسع الافقي- الاصوات والايقاعات- كان بمنزلة التوزيع: توزيع الآلات كل حسب مهمتها ومداها ولونها. وليد مسعود واثنان من زملائه يتركون الدير ويتوجهون الى كهف عظيم هيأه الله للنساك في العصور الغابرة في هذه التنويعةيقدم المؤلف المبدع جبرا ابراهيم جبرا تحليلا لجانب الموضوع المرحلة والتطلعات والتأثيرات الروحية على الشخصية تماما كما المؤلف الموسيقي حين يحلل اجزاء من اللحن الدوار” وهو هنا وليد مسعود“ وذلك باعادة نغمة منه حينا وابراز النبرة المسيطرة حينا اخر وتقديم تحوير معين حينا ثالثا ان التفاصيل المطروحة في هذه التنويعة عن الصبا والدير مختزلة، كما الحال بالنسبة الى التنويعات الاخرى بحملة هناك واخرى هناك خلال مرحلة العرض” الشريط“ والكاهن بلحيته البيضاء الكبيرة المنتشرة على جيته السوداء اللامعه..” آه يامسكين ياجاهل الى متى تبقى تحلم بالعبور الى عوالم اخرى وما لديك الا هذا العالم القاسي العنيد “. ان مهمة الكاتب والمؤلف الموسيقي تتركز في الكشف عن تفاصيل هذه الجملة وتلك النبرة وذلك الكوردو استنفادها حد الممكن دون ان يؤدي ذلك الى تحديد نهائي او انغلاق ما دام المؤلف والكاتب سيعود مرة اخرى لتصعيد وتطوير اجزاء اخرى في الموضوع واذا كانت هذه التنويعة تفاصيل عن مرحلة صبا وليد مسعود وتطلعاته نحو العوالم الاخرى حيث المثال فان تنويعة” وليد مسعود يخترق امطارا تتجدد “ تكشف البعد النفسي التأزم الناتج عن الوعي والاصطدام بالواقع” من انا من انت ما الذي افعله هنا؟ من هم هؤلاء الذين حولك يضحكون في وجه الموت والمدينة يلتهمها الوحش عضوا فعضوا”ـ ص 242ـ “ هكذا يقدم المؤلف عناصر موضوعة عبر نسيج من مراحل متباينة يفرزها الزمن” الطبيعي والنفسي “ في فن الرواية” الوزن والايقاع “ في فن الموسيقى وتحددها التقنية الصرفة المنبثقة من طبيعة العمل. التقنية التي يعتمدها المؤلف الموسيقي في توسيع الشكل ومد الجسور بين ابعاده تحقيقا لوحده الموضوع. والجسور في الرواية تتمثل بالشخوص معارف واصدقاء وليد مسعود اضافة الى تاريخه الشخصي فيما وليد مسعود نفسه لحن عميق يبرز ويختفي ويدور حول الموضوعات الاخرى او العكس اي ان الشخوص” التنويعات “ تدور كل حسب دورها حول الموضوع الرئيس وكل تنويعة تنمو على اساس جزء من الموضوع العام جزء او جانب كان قد طرح عبر جملة او اشارة او حتى لون في” الشريط “ وكما ان اللحن الرئيس الذي يعرضه بالحد الاقصى للحن فان مضمون الشريط هو الاخر يعكس نبرة الذروة الضمنية من خلال اندماج الموضوعات المعروفة وتداخلها وبروز مشهد المرأة كمعادل للحياة ازاء الموت: الفكرة الثابتة في الرواية. جريدة الجمهورية 1986
البحث عن وليد مسعود
نشر في: 1 يناير, 2010: 05:20 م