TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > الأصوات المتكلمة في روايات جبرا ابراهيم جبرا .. الدلالة الايديولوجية

الأصوات المتكلمة في روايات جبرا ابراهيم جبرا .. الدلالة الايديولوجية

نشر في: 1 يناير, 2010: 05:23 م

أ. د. ابراهيم جندارييحكم كل منظور موقعاً ايديولوجياً، ويسعى انطلاقاً منه الى الدفاع عن وجهة نظره، وهي منظورات تتفاوت بتفاوت درجة علاقتها بالواقع القائم، وطبيعة ارتباطها بالقضايا المطروحة فهناك الاصوات التي تكرس الوضع القائم باعتبارها المستفيدة منه عملياً، وهناك المتمردة التي تعيش التذبذب في وسائل المواجهة،
 فضلاً عن المنظور المتصالح مع الواقع، نتيجة عدم تجذر ما كان يتبناه من مواقف وافكار في وعيه، فكان التراجع والتصالح مع الواقع اسهل الطرق هكذا نصنف هذه المنظورات في اربعة توجهات حسب كل نص من نصوص جبرا الروائية: 1)الأصوات المكرسة: تعد بنية هذه الأصوات المستفيدة الاولى من الوضع العام، لذلك فانها تعمل على تكريسه بكل السبل المتاحة وتستعين بلغة آمرة ذات تقنيات تسعفها على اداء وظيفتها القمعية، ولعل الوقوف عند الشفرات اللغوية لخطابها من شأنه ان يقرب توجهها الايديولوجي. حضرت هذه البنية في نص “صيادون..” من خلال ايديولوجيتين تخدمان الواقع المطروح، وتدخلان معه في مهادنة للمحافظة على مصالحهما، كما تسعيان الى انتاج ايديولوجية الطبقة السائدة. فمن موقع انسجامهما مع الوضع تحافظان على صيغته حتى لا يطرأ عليه أي تغيير من شأنه ان يدمر مكتسباتها. لقد مثل هذه البنية من جهة “عماد الدين النفوي” و “احمد الربيضي” اللذان يكرسان الواقع من موقع وظيفتهما الرسمية، وينتقلان بحكم علاقاتهما بالوضع، الى مرحلة انتاج ايديولوجي للنظام السائد. يتضح هذا، من خطاباتهما التي عبرها يساهمان في تمرير مشروع السلطة، عبر وسائل القمع والاضطهاد والرقابة. يتضح ذلك، من اقتراح “النفوي” بضرورة بناء مراكز الشرطة والمساجد لحماية صوت السلطة، ومن اجل تدعيم مشروعها، فان هذه الايديولوجية في حاجة الى مثقفين ينشرون تصوراتها، هكذا نجد “توفيق خلف” يمثل هذا الجانب الايديولوجي عبر المساهمة في استمرارية مشروعية السلطة من زاويتي “الدين” والماضي رابطاً وضعية العرب المتخلفة بابتعادهم عن تراثهم وانغراسهم في المدينة، ومن هنا يرى كجواب عن سؤال النهضة “انحطاط العرب امام تقدم الغرب” هو العودة الى الصحراء، العودة الى خشونة الصحراء وسنتها الاخلاقية، العودة الى فكرتين اوليتين “كذا”: الشرف والشجاعة. العودة الى الصراع القديم بين القبيلة والقبيلة لكي نبقي على صحتنا ويقظتنا ان في هذا الطرح ترسيخا للمأزق التاريخي للعالم العربي، اذ كيف يمكن لهذه الثقافة ان تواجه التحديات الداخلية والخارجية بمقاييس ماضية؟ يشكل اذن النفوي والربيضي، وخلف ادوات تعبر من خلال خطاباتها عن البرنامج السياسي للطبقة السائدة بوسائل متعددة يتولد عنها فئة رافضة لميكانيزمات هذه الطبقة، ومعبرة عن احتجاجها وسخطها على الوضع، تمثلها الاصوات الرافضة. 2)الاصوات الرافضة تضم هذه البنية الرافضة للواقع في رواية “صيادون في شارع ضيق” عناصر غير متجانسة: هناك عناصر تنتمي اصلا من حيث الموقع الاقتصادي والاجتماعي الى الطبقة الارستقراطية “عدنان”، ولكنها تحولت نتيجة للضغوط التي تمارسها هذه الطبقة حتى على ابنائها الى فئة معارضة. وهناك عناصر من الفئة الدنيا “حسين”، والتي تعاني وطأة برنامج الطبقة السائدة والطبقات التابعة لها، بالاضافة الى طلبة الكلية “كلية الحقوق اساسا”. توجد امام شرائح اجتماعية متعددة، ولكنها تلتقي حول عنصر مشترك واحد هو الرفض. كيف عبرت هذه البنية عن موقفها؟ شكلت هذه البنية الايديولوجية الرافضة للواقع المسير وفق نظام شكلته آليات السلطة من قمع واختناق وتوتر. ولعل اهم مقومات هذه البنية تتجلى في شخصية “عدنان” لانه من خلاله، اتضحت معالم استراتيجية النضال. ولعل الوقوف عند خطاب “عدنان” من شأنه ان يوضح مستوى الوعي بهذا الواقع يقول: “الحرية تعني الانطلاق، نحن استيقظنا على خبطة قوية، واكتشفنا تقدم الغرب المادي وايديولوجياته، ونظرياته السياسية وانتابنا الرعب من ركودنا، لهذا اردنا الانطلاق، الجريان، الحركة”. ان كل ما يرغب فيه عدنان واتباعه هو الانطلاق والجريان. “لو تدري ما اتمناه لشوارعنا التي اعشقها، لو تدري قط، اتمنى لو اراها وقد انقلبت رأساً على عقب (...) والدم يجري حتى الركب، لا صحراء ولا مدن، ولا فن للشعب، ولا سياسة ولا مباغي، ولا حفلات عشاء، لا شيء سوى فوضى صارخة”. تتضح صورة وعي “عدنان” من خلال هذا المقطع الكلامي، انه يتمرد ولا يثور. ليس له تنظيم لما يريده. لذلك، فانه لم ينجح في زعزعة الخطاب الايديولوجي للاصوات المكرسة، لانه اكتفى بالتمرد على مستوى التحركات. وبذلك، يدخل سلوكه في اطار التمرد وليس الثورة التي لا تعني فقط هذا الجانب الاحادي الذي يراه فيها “عدنان” وجماعته من رفع الشعارات، والدخول مع السلطة في معارك دموية، ثم الوصول الى السجن. وقد خلق “عدنان” تابعين له لا سيما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram