اكتملت جلسة أدباء العراق، شعراء وفنانون باحثون لغويون ونقاد معروفون في اتحاد الأدباء، ومنهم مؤسسون ليس لاتحاد الأدباء، حسب، بل مؤسسون لحداثة ثقافتنا الأدبية المعاصرة.
تجاورت الطاولات وصُفت الكراسي فالجمع الحاضر أكبر من أن تلمه طاولة واحدة أو اثنتان أو ثلاث.
الجلسة كبيرة العدد والحجم والتأثير والإبداع والشهرة، من أجيال واشتغالات متنوعة، فثمة كبيرهم شاعر العرب الأكبر، محمد مهدي الجواهري، ومعه أصدقاء وزملاء وحواريون:
مهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر ومظفر النواب ورشدي العامل وإبراهيم السامرائي وحسب الشيخ جعفر وفاضل العزاوي وجواد سليم وفؤاد التكرلي وغائب طعمة فرمان وسعدي يوسف ونزار عباس ومحمود البريكان ومؤيد الراوي وهادي العلوي وجليل القيسي ومحمد خضير وعبدالرحمن طهمازي وعبدالستار ناصر ولميعة عباس عمارة ولورنا سليم وعفيفة اسكندر (على غير عادتها!) وصبيحة الشيخ داوود وعبدالأمير الحصيري وموفق محمد وصلاح فائق وخليل شوقي وزينب وناهدة الرماح ومحسن اطيمش وعبدالجبار عباس واقترب منهم، على طاولة ليست بعيدة، شاكر لعيبي وزاهر الجيزاني وهاشم شفيق وخليل المعاضيدي وخليل الأسدي وعبدالحسن الشذر وعقيل علي وكمال سبتي، وخزعل الماجدي وآخرون لم أتبين ملامحهم في عتمة الوطن، بينما كنت أرقب الجميع من مسافة قصيدة وكأسين ونخلة، أنا الآخر كنت حيياً ومتردداً، فهؤلاء، رغم أن بينهم أصدقاء من جيلي، إلا أن جلّهم أساتذتي وآبائي الذين تركوا على أوراقي بصمات من أصابعهم وخبالات من أشباحهم والكثير من تورياتهم وأحلامهم، على أنني، حتى الآن، أخشى الاقتراب من النجوم، حيث كل نجم يعامل من يقترب منه، في محاولة للتعارف والتعاطف، على أنه معجب لا أكثر.
اكتملت جلسة الرواد، ومن سار على خطاهم أو تنكر لهم أو اختلف معهم، موقفاً وسلوكاً، أو استأنفهم قراءة وتأويلاً ونقداً، لكنهم في صدارة المشهد مهما ابتعدنا عنهم مسافة قصيدة وكأسين ونخلة.
كان العراق، تلك الجلسة، متعايشاً مع نفسه رغم العسكر وانقلاباتهم ومؤامراتهم، فاتحاد الأدباء كان بمنجى، إلى حد ما، عن سيف ديموقليس العراقي وإن كان هذا السيف عند حز الرقبة، لأنه لم يرتو من أعناق العراقيين منذ "أخي جعفراً" حتى اليوم.
فجأة!
تقتحم الجلسة مجموعة ترتدي الملابس السوداء يتسلح أفرادها بكل ما هو ضد الإنسان لإهانة المكان رمزياً.. إهانة لكل ما يمت للعراق بصلة، أو ما تبقى منه، إهانة مسلحة تمثل ما صنعه بول بريمر، ممثل الاحتلال الأميركي، بالعراق والعراقيين، وبكل ما لم يستطع صدام حسين وكتبته وانتهازيوه من مثقفي البعث أن يفعلوه بثقافة العراقيين ورموزهم ومكان تاريخهم الإبداعي وزمنه الممتد في الذاكرة والوجدان.
كيف ستكون ردة فعل كل من كان في الجلسة برأيكم؟؟
ضمير الثقافة العراقية وروحها الحية لن يقبلا أية ترضيات أو اعتذارات من أي مستوى جاءت.
وهل ثمة قضاء نزيه وعادل ومستقل؟
هل ثمة لجنة ثقافية برلمانية مهنية؟
هل ثمة رئيس وزراء جدير بتحمل مسؤوليته في حماية الناس ومنظماتهم وتجمعاتهم؟
هل ثمة وزير داخلية شجاع يلقي القبض على الفاعلين، وهو يعرفهم، بالتأكيد؟
لا أحد من هؤلاء!
هو انتصار الجهل المسلح على رمز ثقافي، أعزل، فقير، بينما يحتل الإرهاب الداعشي ثلث البلد، وتحتل ثلثيه الباقيين شلة من الفاسدين والعملاء والفاشلين، فهنيئاً لكم انتصاركم المكلل بعاركم أيها الجهل المسلح، برعاية مملكة أنصاف الرجال والنساء في المنطقة الخضراء، من يحكمون أغنى بلد في العالم ويبيعونه كل يوم، بالجملة والمفرّق، ويقودونه نحو أرذل الأحوال وأهون المطامح والآمال.
"ولية مخانيث" لا أكثر ولا أقل!.
انتصار الجهل المسلح
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2015: 09:01 م