من الابتكارات المسرحية التي ظهرت في اميركا خلال الستينات من القرن الماضي ما سمي (المسرح البيئي) والذي اشاعة (ريجارد ششنر) وهو محرر في المجلة المتخصصة (استعراض الدراما) وهي اكثر الدوريات المسرحية اهمية في العالم. وقد وقع العديد من المسرحيين العراقيين وربما العرب ايضاً في خطأ تفسير ذلك النوع من المسرح وفسره البعض منهم انه يعكس ما في البيئة من ظواهر، وفسره آخرون بان المسرح المتلائم مع هذه البيئة او تلك ولكن بعد تقصي الحقيقة وجدنا ان المصطلح يعني غير ذلك.
يشتمل مسرح ششنر البيئي على عناصر فنية من مختلف الانواع الفنية ومن مختلف الفرق التجريبية فهو يأخذ البعض منها من (فرقة المسرح الحي) وعملها التجريبي ومن فرقة الخبز والدمى، ومن (غروتوفسكي) ومن (المسرح المفتوح) لشابلن ومجموعات مسرحية اخرى. ويهدف المسرح البيئي بالدرجة الاولى الى ايجاد طريقة جديدة بالتعامل مع الفضاء المسرحي – فكان العرض وعلاقات الجمهور بالعرض ووسيلته التمرد ضد المسرح التقليدي المحافظ المتصف مشهدياً بالصفات الاتية:
1- عزل الجمهور عن الممثلين.، 2- موقع جلوس الجمهور الثابت والمنتظم.، 3- بناء المناظر ووضعها في جزء احد من المسرح فقط. وكانت اوضح بيانات ششنر فيما يخص المسرح البيئي قد نشرت عام 1968 وفيها طرح ست حقائق او بديهيات تميز وتحدد معالجته وهي كالاتي:
اولاً- يتكون الحدث المسرحي من وضع مجموعة من الاجراءات ذات الصلة مما يوتر السياق العام للعرض المسرحي، واوضح ششنر بضرورة وضع الاحداث المسرحية وفق سلسلة متصلة من الفن النقي من جهة والحياة غير النقية من جهة اخرى، وامتداداً من المسرح التقليدي من جهة ومروراً بالمسرح البيئي الى الواقعات وانتهاءً بالاحداث العامة والتظاهرات من جهة اخرى. وهكذا فهو يموضع مسرحه بين ماهو تقليدي وما هو واقعة.
ثانياً: يستخدم الفضاء من قبل جميع الممثلين ويستخدم من قبل جميع المتفرجين وهؤلاء هم صنّاع المشهد ومشاهدو المشهد في آن واحد، كما هو اي مشهد يقع في الشارع من الحياة اليومية فأولئك الذين يشاهدون هم جزء من الصورة الشاملة حتى لو اعتبروا انفسهم مجرد مراقبين.
ثالثاً- يمكن ان يحدث الحدث المسرحي في فضاء متحول بالكامل او في فضاء مكتشف، بمعنى ان الفضاء يمكن تحويره الى بيئة تناسب هذا الانتاج المسرحي او ذاك، او مكان يقبل على علاقة وان الانتاج المسرحي قد تم اعداده لذلك المكان وعلى سبيل المثال استخدام احد الملاعب الرياضية لتقديم مسرحية تتعامل مع الحرب على انها لعبة رياضية.
رابعاً- البؤرة والتركيز مرنان ومتغيران اي ان هناك تعوداً في بؤر العرض، تغير في موقعها اي ليس هناك ثبات في التركيز على نقطة واحدة.
خامساً- لكل عنصر من عناصر الانتاج المسرحي لغته لا ان تساند تلك العناصر كلمات النص فقط.
سادسا- لا يكون النص المكتوب لا نقطة انطلاق لنص العرض ولا يكون ذلك النص هدفاً للانتاج المسرحي وربما لا يحتاج المسرح البيئي الى نص مكتوب اطلاقاً.
من كل ذلك نخلص اولاً الى ان المسرح البيئي قريب من (واقعات) كابراو وثانياً الى ان بعض العروض العراقية التي قدمت في الايام الاخيرة تنتمي الى ذلك النوع من المسرح – المسرح البيئي – او الواقعة وكلها تقف بالضد من عروض المسرح التقليدي، ونذكر منها على سبيل المثال (المقهى) و(اعزيزه) و(سجادة حمراء) وفي جميع تلك العروض كان المتفرج متفرجاً ومشاركاً في العرض في آن واحد، ومن هذا نستنتج بان البعض من مسرحيينا الجدد جاءوا متأخرين عن الابتكارات المسرحية التي تحدث في العالم وتخلص الى القول بان (المسرح البيئي) و(الواقعة) والعروض العراقية التي تنتمي الى فنون العرض المختلفة لا يمكن ان تزيح المسرح التقليدي من الساحة المسرحية بل تبقى على الهامش واذا لم تصدقوا هذا القول فاذهبوا الى (برودوي) في نيويورك والى (الويست اند) في لندن والى (الشانزلزيه) في باريس لتتأكدوا من صحة ادعائي وكل تلك الاماكن مواقع مسرحية مركزية في بلدانها.. ولتتأكدوا ان الجمهور المسرحي الأوسع هو ذلك الذين يرغب بمشاهدة عروض المسرح التقليدي وهو اوسع بكثير من جمهور المسرح البيئي او الواقعة او ما شابه.
مفهوم (المسرح البيئي) وتفسيراته
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...