TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تدعيش وتكفير

تدعيش وتكفير

نشر في: 29 يونيو, 2015: 09:01 م

عرفت عراقيين كثيرين لا يريدون ان يصدقوا ان وجود كويتيين متحاملين على العراق، لا يعني ان كل الكويت متشددة تجاهنا. وهؤلاء لا يصدقون ان في الكويت رغم صغر حجمها، تيارات معقدة ومتنوعة، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. ومثل ذلك اجد احيانا صعوبة في اقناع البعض بان في ايران تيارات متنوعة، وليس كل الايرانيين يحملون تصورا متشددا حول معالجة مشاكل المنطقة.
والامر لا يقتصر على نظرتنا للخارج بالطبع، فقد قمنا بتطبيق هذه القولبة على بعضنا البعض. وضعنا الاكراد في سلة واحدة، وفعلنا هذا مع السنة ومع الشيعة وسواهم. يوجد سنة كثيرون لا يحبون ان يصدقوا بوجود اعتدال شيعي في السياسة. وهناك اكراد لا يحبون رؤية عربي معتدل. وبلا شك فان واحدة من مشاكلنا الكبيرة هي في تيار شيعي يحب ان يرى السنة كلهم في مركب التشدد.
ويتعلق الموضوع احيانا بنقص المعلومات والجهل ببعضنا، وعدم وجود تواصل بما يكفي، لكن مهما تعددت الاسباب، يبقى من الصعب علي ان افهم لماذا نحب ان نرى خصمنا "متوحدا في صف واحد". بينما ستسهل المعركة كثيرا حين نقوم بمحاصرة التشدد وفرز المعتدلين، واكتشاف القواسم والمصالح المشتركة العابرة للانقسامات، كي نخوض مواجهة اسهل واكثر قبولا؟
ومع صعود الاستقطاب الطائفي، لم يعد الامر يتوقف عند دعوة بعض الشيعة ل"ابادة الفلوجة"، ولا دعوة بعض السنة ل"اجتياح بغداد"، بل اصبحنا نتحدث عن ضرورة "موقف واضح" من السعودية وبلدان الخليج، التي فيها تشدد وتكفير وجمعيات غسل ادمغة، وجميعنا متضررون من هذا. لكن اصحاب الدعوة ل"موقف واضح" لا يريدون ان يحصل تواصل بما يكفي بين اجنحة الاعتدال في بلدان المنطقة، ليجري تطويق اجنحة التشدد من كل الاطراف. بل يريدون اصدار "حكم اعدام" على السعودية والخليج برمته، واحيانا كل اتباع المذهب السني. وبالطبع فان عقل داعش قام سلفا باصدار حكم اعدام على كل اتباع المذهب الشيعي، وعلى قسم واسع من السنة انفسهم. وهذا ما يبرر لنا القول بان الشيعي الذي يقوم ب"تدعيش" شعب باكمله، هو حالة مشابهة لداعش نفسه، الذي يقوم بتكفير شعوب باسرها.
وليس المطلوب ان ننهمك في توصيف هذه الازمة، ولكن الى اين نمضي يا ترى ونحن لا نريد ان نجد شريكا ايجابيا في حربنا ضد الارهاب؟ ان اصحاب هذا المشرب يرفضون التعاون مع المجتمع الدولي، لانه "متواطئ مع داعش". ويعتقدون ان السنة كلهم تقريبا داعش. ويروجون ان جيش الحكومة انتهى، ورئيسها "انبطح" ووزراؤها وبرلمانها ومحافظيها "متخاذلون" بل ان هؤلاء يتهمون مرجعية النجف نفسها بانها "تتساهل" مع الارهاب. وحينئذ يحق لي ان اسأل: اذا كان ثلاثة ارباع العراق متخاذلا ازاء داعش، وكل البلدان السنية من الدواعش، ومعظم المجتمع الدولي متواطئ مع هذا التنظيم، فما هي ضمانات النصر على داعش، ومن الذي سينتصر عليها؟
ان المنطقة اليوم لا تعاني "التكفير" فقط. بل ان شهية "التدعيش" وتحويل كل الخصوم الى دواعش، وتجاهل التيارات المعتدلة، تمثل الخطر المقابل الذي سيمضي بالمنطقة الى حريق لا اول له ولا اخر.
ان التيارات "التدعيشية" ونظيرتها "التكفيرية" ستجد ازدهارا كبيرا في سوق الدخان الاسود الحالي، وسيضيع شبابنا في هذه السجالات والملاعنات والمشاتمات، وبقدر ما نتأسف على شباب جرى غسل ادمغتهم في مدارس "التكفير" فاننا سنأسف على جيل يتم اسره في قوالب "التدعيش". وهذا مسار سيفاقم البراكين والزلازل، وسيضيع عشرات الفرص الخاصة بالتقارب وحقن الدماء وحماية البلدان من الخراب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram